ميسون أبو بكر
بعد غياب أربعة عشر عاماً أخذتني إليها أشواقي وكل الذكريات التي لم تطفأ نارها، أحياناً في لحظات الخلوة إلى الذاكرة أشعر بي وكأني استنشق زهر أشجارها وعبير ورد الربيع والحنون الذي يكسو الأرض وكأنه سجادة ملونة يطوق المزارع التي قد تكون بعدد بيوتها.
الطريق إلى مكة منها، لذلك فإنك تلمس وتشعر بشيء من القدسية والخشوع وأنت في تلك الدرب التي تأخذك إلى مكة وتنتهي إلى الطائف وتبدأ بالمزاحمية.
تقابلك جبال صخرية عن اليمين والشمال، تستيقظ بك كل ما كنت قرأت عن الآثار التي وجدت هناك في مكان ما، يطوف فكرك بين أروقة التاريخ تستقرئ الحضارات التي مرت والتي بقيت وتشعر بالفخر بغنى هذه الأرض وقيمتها.
محافظة المزاحمية تعتبر البوابة الغربية لمدينة الرياض لوقوعها تحت سلسلة جبال طويق من الجهة الغربية على طريق الرياض الطائف، والأهم أنها تبعد مسافة ما يقارب أربعين كيلومتراً عن الرياض مما يجعلها منتزهاً قريباً لأهالي الرياض الذين يهربون من رحمتها إلى المزارع بكل ما تحمل من عبق الطبيعة وأجوائها الصحية الهادئة.
وأنا أسير في تلك الطريق كانت تلوح لي ذكرياتي وكل الأحبة الذين كنت أسابق الوقت للقياهم، وكنت أسائل نفسي كم تغيرت ملامحهم وكم منحهم الزمن أو أخذ منهم.. وأنا أشاهد الجديد من ملامح الطريق وكل هذا التجديد والحياة التي تدب بها، والمنشآت القائمة يميناً ويساراً، ولعلّي لا أنسى تلك البوابة عند (نقطة التفتيش) التي شيدت لتحاكي قصر المصمك والأنوار التي وضعت بعناية وجمال تسر الناظرين.
لوّحت بكف القلب للملك التاريخ الذي أعطى الرياض ومحافظاتها من جهده واهتمامه وحبه كل ما جعلها جوهرة ثمينة ومسرحاً عظيماً لتاريخ مضى وظل نابضاً حتى اللحظة في كل ما نشاهد، بقي هذا التاريخ يلوح للمواطن والزائر يخبر عن تاريخ تلك الأرض ومن عليها، ويحكي قصة قد لا تنتهي فصولها.
الرياض وجه مشرق خالد لمليكنا وأميرها سلمان بن عبد العزيز الذي حمل على كاهله مسؤولية ازدهارها ونمائها والمحافظة على تراثها وتاريخها، ولعل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والآثار، هو من ترجم ذاك العشق وحفظ التاريخ عن ظهر قلب وطفق يوثقه عبر مشاريع لم يكتف الأمير ان يكون حدودها الوطن بل تعداه ليحمله إلى العالمين عبر القارات والبلاد التي تاقت لمشاهدة تاريخ هذه البلاد في أشهر متاحفها.
رحلتي إلى الذاكرة .. أثارت بي أشجاناً كثيرة وأحببت أن أشاركك أيها القارئ الكريم بعضها، وأتمنى أن تكون استعرت من مخيلتي جمال تلك الرحلة وألقها وبعض حكايا المكان الذي لا يزال ينبض بكل الذين مروا به ولم يمضوا إلا وتركوا بصماتهم فيه.
يقال «الصداقة انتصار من انتصارات الحياة» وأنا عبر رحلتي إلى المزاحمية رحت أؤكد هذا الانتصار لألتقي أصدقاء تركوا في نفسي دهراً من طيبهم وذكرياتهم ، فانتصروا للذكريات.
ألا هل أشم الخزامى ونظرة
إلى قرقرى قبل الممات سبيل