ميسون أبو بكر
لا أنفك أذكر الجملة الشهيرة للشاعر الكبير الذي ترك وراءه إرثا شعريا وفكرا فلسفيا عميقا «نزار قباني» حين قال: إنني لا أستطيع غلق نوافذي وإسدال الستائر وعدم الاكتراث بما يدور حولي في الوطني العربي، ولعل هذا يأخذنا للتفكير حول دور المثقفين والعلماء والإعلاميين والفنانين فيما يجري الآن من أحداث متسارعة ومن غزو للفكر، وغسل أدمغة الشباب وتلويثها بأفكار داعشية مما أدى ببعضهم للانتحار بتفجير أنفسهم في بيوت الله الآمنة متسببين في قتل الأبرياء العابدين وفي أيام حرم فضيلة.
المسؤولية المجتمعية هل كانت لها حضور في هذه الظروف، وسأنحى هنا للحديث عن الدراما المقدمة في رمضان والتي تشكل غزوا سنويا، فهل اقتصرت على كونها مواد تلفزيونية للتسلية والترفيه أم حملت رسالة قد تكون مؤثرة في المجتمع؟ هل أسدل الفنانون والكتاب الستار على ما يحدث في الساحة العربية من قتل وإرهاب واغتيالات وانشغلوا بتصوير أعمال جوفاء بعيدة عن الهم والخطر الكبير الذي أصبح واقعا معاشا وإرهابا لحظيا؟ في سباق محموم هي القنوات التلفزيونية، فهذه تروج للعمل عبر إثارات ومفرقعات إعلانية ودعائية وتلك عبرخلافات بين طاقم العمل أو حادث عرضي خلال التصوير، وتلك وتلك، حتى أصبحت أخبار الفن والفنانين تتصدر بقية الأخبار الأخرى كالعمليات الإرهابية أو الكوارث الطبيعية التي تهدد البشرية وحتى الأخبار الاقتصادية.
عدد من المسلسلات الرمضانية التي عرضت للآن يعتبر اجترار لقصص قديمة وأحداث بعيدة عن الواقع المعاش اليوم، فقد افتقدنا لأعمال تاريخية تعيد للفن ماضيه الجميل، وللذائقة العربية اعتبارها، وحسب متابعتي لم تترجم أعمال أدبية إلى دراما ذات معنى في وقت يصرخ فيه الأدباء بحرقة : هذه أعمالنا حولوها إلى دراما!
لعل « سيلفي» في نسخته الأولى بعض العزاء ورسائل مباشرة عبرت عن قضايا مهمة أهمها الإرهاب الذي تمارسه داعش وطرقها الإجرامية واللانسانية، وقد وجدنا في الحلقات تجسيدا صادقا لهذه الحركة الإرهابية المجهولة الهوية والذي يعتبر البعض واعتبر ما يحدث في الواقع كانه فيلم هوليودي بكل ما فيه من استخدام للدبلجة والمنتجة وعمليات القتل الشاذة والعصور المظلمة التي يفرضها أولئك في كل منطقة يصلون إليها.
إن الفنان وهو يقترب من واقع مجتمعه وببطولة يؤدي أدوارا قد تهدد حياته واستقراره فإنه لا يفعل ما اختاره إلا لأنه يدرك أن الفن أيضا يحمل رسالة إنسانية ومجتمعية وأن عليه أن يكون جزءا من هذه الرسالة.
ربما يعزف أبناؤنا عن متابعة نشرات الأخبار أو عن القراءة.. لكن الدراما الرمضانية تعد فرصة ذهبية لتقديم جرعة توعية كافية وتصوير حقيقي لما يحدث حولنا.
شبابنا اليوم في متناول يدهم وسائل إلكترونية كفيلة أن تغرس في أدمغتهم سموم الإرهابيين وغزوهم للفكر، ولنا أن نكون في الجهة المقابلة مستعدين لما يوعّيهم مقدمين لهم جرعات توعوية بقالب ترفيهي هي صورة لواقع الإرهابيين البشع والنهاية الحتمية لما يدعون إليه.
على كل فرد في المجتمع مسؤولية لا بد وأن يؤديها وإلا غرقت السفينة ولم ينج ركابها.
حمى الله دينه، وأنجى المسلمين وديارهم من براثن من يحاول أن يعيث فسادا.