ميسون أبو بكر
يدعوني لطرح السؤال الذي عنونت به هذا المقال العنوان العريض الذي عَنْوَن به الزميل سعود كاتب مقاله: «تنقية بيئتنا الإعلامية» وعدد من المقالات والنقاشات التي غالباً ما تدور وتناقش حول المهنية الإعلامية والغث والسمين والدخيل على الساحة الإعلامية، ومساهمة وسائل التواصل التي لا رقيب ولا حسيب عليها في اقتحام الدخلاء على المشهد الإعلامي وبروزهم بشكل لافت بمحتوى وحضور ضعيف باهت ومعلومات بعيدة عن الصحة ومتابعين بمئات الآلاف، إن دلّ إنما يدل على السطحية والمشاركة في «صناعة التفاهة» كما أطلق عليها الكاتب الإماراتي عبدالله النعيمي سواء فيما ينشر لأولئك الإعلاميين الدخلاء أو لما يقدمونه من «استهبال» من وجهة نظره التي أشاركه فيها.
مما يعني أنّ الإعلام الجديد بوسائله الإلكترونية ابتعد أن يكون مرآة حقيقية لواقعنا، وتحول أحياناً إلى بوق للزعيق والضجيج واستعراض الطاقات الإعلامية الضعيفة، بوسائل لا ترتقي للمستوى المهني الحرفي الذي يسيء للمفهوم الإعلامي الذي لطالما كان سمة لإعلام قوي ومهنة جاذبة خلاقة ساحرة، لما يحظاه منسوبوها من ألق وتوهج وحضور يتجاوزه أحياناً إلى هوس المجتمع بتلك الشخصيات الإعلامية وتتبع أخبارها، ولعلنا ما زلنا نحظى بشخوص حفروا عميقاً في الذاكرة كانوا يطلون علينا عبر الشاشة الصغيرة مثل القدير ماجد الشبل شفاه الله والشيخ الطنطاوي رحمه الله.
في محيط هذا الموضوع قرأت خبراً جديراً بذكره هنا؛ حيث منعت الصين المشاهير من تقديم البرامج التلفزيونية، وهذا يؤكد انتشار الظاهرة التي تحدثت عنها في محيط يتعدى النطاق العربي
حيث نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية (شينخوا) عن الإدارة الصينية قولها إن مقدمي التلفزيون يجب أن يتمتعوا بالمؤهلات المهنية المناسبة، وأضافت المذكرة «أن مقدمي التلفزيون مسؤولون عن برامجهم وعن إرشاد الجمهور والتحكم بوتيرة البث المباشر.»
لعل هذا القرار يسهم في تنقية البيئة الإعلامية مما قد يشوبها، وبشكل حاسم لأنه جاء من سلطات مخولة لتطبيقه ومتابعته، وهي وسيلة من الوسائل التي قد تحتفظ بهيبة الإعلام ومصداقيته ومهنيته واحترام المشاهد.
ولعلِّي أضع في مقدمة وسائل مكافحة الانحطاط الإعلامي الجمهور نفسه وذائقته التي يجب ألاّ تهبط أو تنساق للمستوى الضعيف لبعض مقتحمي الساحة الإعلامية، أو أولئك المتخصصين في التجديف عكس التيار لاكتساب شهرة سريعة.
نحن مشاركون أساسيون بهذه الصناعة التافهة لأننا نتناقلها، ويظهر هذا من حصاد المتابعين لأولئك الفارغين الذين يحصدون ملايين (اللايكات) أو الـ(الفلو)، ومنهم من يظهر على الشاشة كمقدم لبرامج سرعان ما تفضحه ثقافته الضحلة وأداؤه الضعيف الذي يدركه الواعون من المشاهدين.
لا بد من التصدي لهذه الظاهرة بكل ما أوتينا لتجنب الانزلاق في متاهات مظلمة وتقديم ما لا يعكس حقيقتنا وواقعنا، وتجنيب المشاهد من وجبات إعلامية فاسدة تذكرنا بالوجبات السريعة.
التاريخ خلد عمالقة الإعلام الذين يعتبرون مرجعاً له حتى بعد رحيلهم وفي سيرتهم الكثير من العبر والشجون وفي عصرهم قوة الزمن الجميل الصعب الذي يلفظ كل ما لا يليق بعظمته.
اليوم يفاجئك أحدهم بظهور يومي على الشاشات كونه محللاً اقتصادياً أو سياسياً بلا خلفية أكاديمية ولا تجربة أو ممارسة عداه عن ضيف طوارئ ساعدته عدم حرفية المعد للبرنامج والذي يجده ضيف طوارئ في المتناول.
أو تتفاجأ بممثلة درجة خامسة أو ماكييرة ظهرت كمذيعة أو مقدمة برامج ساعدها الأخضر والأحمر والانتشار السريع في وسائل التواصل، التي أساء البعض استخدامها بسبب الفراغ الكبير أو تردي الذائقة.
أعود للإجابة على سؤال الأستاذ سعود كاتب، وأقول نعم نستطيع تنقية البيئة الإعلامية سواء بقرار لمسؤول أو دوافع شخصية أو ذائقة عالية ترفض الغثيث لكي نحقق المعادلة الصعبة للإعلام التي هي ضد المقولة : الإعلام مهنة من لا مهنة له، وكي يكون إعلامنا بأعلامٍ يُشهد لهم بالحضور والثقافة والتميز ورسالة سامية ترتقي بالمشاهد وتواكب تقدم هذا البلد المعطاء الذي هو جدير بالتميز والمبدعين الذين حملوا على كاهلهم رسالة وطنية إنسانية عالية وسامية.