سعد بن عبدالقادر القويعي
ثمة موجة إرهابية تتلبس بالتكفير دينا لها؛ فتجاوزت بأفعالها حدود ما يستوعبه العقل البشري، وعملت على تدمير مظاهر الحضارة، ورموزها، ورموز الإنسانية. بل استماتت؛ من أجل تهديد مستقبل الأمة، واغتيال حلمها في نهضة دينها، وذلك بعد أن عملت على حرف التسامح الديني، وتعايش المجتمعات، ودخول الفاعل الجهادي العنفي على خط الأزمات البنيوية، والتاريخية للإسلام، والمسلمين.
هذا التنظيم الإرهابي أشبه بأدوات تُوجه نحو خطوط التحرك، ومساراتها في رقعة شطرنج، متناغمة في أجواء الظلام، والخراب، رافعين شعارات الخلافة الواجبة، والشريعة الغائبة، إما بمحض إرادتها، أو بخديعتها، وإما بغباء منها؛ لتكتمل مشاهد الفوضى الهدامة، مع ضرورة تنويع مشاريع التطرف في أكناف الشام، والعراق، وإعادة إحياء الخلافة الإسلامية التاريخية -زعموا-. وعلى أي حال فإن أبجديات العقل، تخبرنا بأن طبيعة حال تلك الأيديولوجيات المتشددة قائمة على الانتقائية في التعامل مع نصوص الوحيين، وانتزاعها من سياقاتها، ومن ثم توظيفها توظيفا انتهازيا بعيدا عن منهجي السبر، والاسترداد التاريخي؛ لنصل -في نهاية الأمر- إلى النتيجة المرفوضة، وهي هيمنة الشهوة المؤدلجة على قدرات العقل البشري، والسيطرة عليه، وقيادته.
ما يدفع إلى القول، إن من يحتضن داعش، ويموله، ويصفق له، هي أذرع مطيعة لقوى إقليمية، ودولية، وسياساتها المشبوهة في المنطقة، هو -نفسه- من يرسم سياسات الشرق الأوسط الجديد، ويعمل على هندسة الدول، والمجتمعات بأمزجة التطرف، وإعادة تركيبها على أسس طائفية، وعرقية، وقبلية، شريطة أن تكون متطابقة مع عقلية القوم؛ ولكن بأسلوب استجد بفعل مقتضيات المرحلة الجديدة، على أن تكون ظاهرة القتل جزءا من سيكيولوجية البشر على اختلاف دوافعهم، ومبرراتهم.
سُجّل لهذا التنظيم الإرهابي مستويات غير مسبوقة في التاريخ من العنف، وذلك حين رسم مشاريعه داخل العقول المتعصبة؛ لبناء جغرافيا الأرض، فكانت المحصلة أن الظاهرة الإرهابية أصبحت كنتيجة لأسباب عديدة، وكسبب لنتائج كارثية -محلياً وإقليمياً ودولياً-. -وعليه- فإن تأسيس رؤية مستقبلية لكيفية محاربة التنظيمات الإرهابية، سينطلق ابتداء بأن هذا النوع من الإرهاب لن يُحيّد أحدا، -سواء- في الأقوال، أو الأفعال، والتي حلّت مآسيها بشعوب المنطقة، ودولها المستهدفة بنيران الحريق العربي، وتمزيق الصف الديني، وتشظيه -مذهبياً وطائفياً ومناطقياً-، وذلك من خلال تسويغ الاستقلال السياسي للدين، وتفعيل الانتقامات، والانتقامات المضادة.