ميسون أبو بكر
عزيزي القارئ كل عام وأنت بخير، لعل هذا الشهر الفضيل لا يُغادرنا إلا ومنحنا الله الأمن والأمان لوطننا العربي كافة، والخلاص للشعوب التي يقهرها اغتصاب أراضيها وتشريدها وجور أنظمتها. في دعوة كريمة من المتميزة د. آمال المعلمي لمشاركتي في حوار الأطفال المنتسبين لأكاديمية الحوار في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، لمست ما أود الحديث عنه وعن هذه التجربة الرائعة للمركز التي آتت أُكلها على شريحة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشرة. هؤلاء الأطفال التحقوا راغبين في دورة تدريبية أقامها المركز بعد الإعلان عنها في وسائل التواصل الاجتماعي، هدفها ترسيخ ثقافة الحوار لدى هؤلاء الأطفال والقيم المستمدة من الشريعة الإسلامية والتي تنص على التعايش مع الآخر ومحبته، والجدير بالذكر أنه إلى جانب مشرفات مميزات من المركز يُساعدهن في هذا المخيم الصيفي إن صح التعبير متطوعات شابات تميزن في أسلوبهن مع الأطفال وعطائهن.
الدورة التي لا تستمر أكثر من أسبوعين تركز على الجانب العملي التطبيقي، فالنشاطات التي قد لا تطبق ببعض المدارس وتبقى حصصها فارغة فُعِّلت وامتزج معها الأطفال بشكل كبير، ولعلني أعود إلى ذكريات الطفولة حيث أتذكَّر مدرستي الابتدائية في الكويت، وأهمية حصة النشاط المدرسي وأهلية المعلمة التي كانت تعطينا هذه الحصة التي صقلت شخصيتنا ووجهت مواهبنا ومنحتنا جرأة التقديم والتفاعل مع الآخرين والدأب للتميُّز.
تتنوع الأنشطة ما بين المسرح وقراءة القصص المصورة ومحاكاة ثقافة الشعوب الأخرى عبر أزيائهم والالتقاء بزوجات السفراء للحديث عن ثقافاتهن المتنوعة وأبرز المعالم في بلدانهن، وقد تفاعلت السيدات مع الأطفال بعدد من الأفكار منها حضور أطفال من جنسيات مختلفة لمشاركة الأطفال هذه اللقاءات والنشاطات.
يعود بي هذا النشاط المتميز والذي يملأ وقت الطفل في وقت الإجازة وينمِّي مواهبه ويمنحه مكتسبات كثيرة أهمها التحاور مع الآخر، وقيم مهمة أفسدها في الوقت الحالي الإرهاب والمنظمات الإرهابية التي استقطبت فئة لا بأس بها من شبابنا وغذَّت أفكارهم بالقتل والانتقام وترويع الآمنين، يعود بي للجهد الكبير الذي قام به الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - في الاهتمام بترسيخ الحوار كوسيلة تعايش بين الشعوب، وقد اهتم به على المستويين المحلي والعالمي ليتوَّج جهده بمركز للحوار العالمي بفيينا والذي يُعد استجابة للدعوة الإلهية: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
وأنا أستمع للأطفال، وما اكتسبوا في هذه الفترة البسيطة، تمنيت كثيراً لو سبقت هذه الفكرة زمنها، تساءلت: هل من الممكن لو مر هؤلاء الشباب الذين (تدعّشوا) وتسممت أفكارهم بسبب أولئك الذين وجدوهم عجينة سهلة لتشكيلهم فبثُّوا بهم سمومهم وغسلوا أدمغتهم، لو مروا بمثل هذه التجارب والأنشطة هل كانوا ليكونوا لقمة سهلة للإرهابيين ومخططاتهم؟
أطفالنا جديرون بمثل هذه النشاطات التي تمنحهم من طفولة مبكرة أفكاراً هي لبنة مستقبلهم وذاكرة نقية لغدهم، حيث يندمج الأطفال بنشاطات مشتركة سواء كانت حركيّة أو فكرية، تترسخ لديهم قيم الحوار وكيفية التعامل مع الآخر واستيعابه وتطبيق هذا عبر ورش متعددة تقوم بها الأكاديمية، فيتسع أفق الطفل لعالم أرحب من محيط منزله ومدرسته إلى ثقافات أخرى يندمج معها.
بُوركت السيدات المميزات اللاتي طبَّقن خطة المركز ووجدناها واقعاً ملموساً.. تحية للأستاذة آمال الربيش ومزنة العقلاء ولكل المتطوعات، فأطفالنا جديرون بعالم نقي وبجهد يُوجه طفولتهن البريئة، ولعل ما رأيت ولمست يدل على فعالية نشاط مركز الحوار مع هذه الفئة.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.