زكية إبراهيم الحجي
في الوقت الذي أصبح فيه الإعلام بوسائله المختلفة جزءاً أساسياً من حياة الشعوب والمجتمعات لما له من قدرة مؤثرة في توجهات الرأي العام وإحداث تغييرات في المفاهيم والممارسات الفردية والمجتمعية ومواكبته للتطورات والمستجدات في شتى المجالات الحياتية خاصة بعد أن أصبح العالم بفضل الثورة التقنية أشبه ما يكون بقرية كونية صغيرة تتداخل فيها المصالح والثقافات بين الدول والشعوب.. في هذا الوقت الذي فرضه الواقع الاعلامي..
هل استطاعت وسائل الإعلام على اختلافها أن تتعاطى مع الأحداث التي يمر بها العالم.. وتتابع كل ما يجري منها وفقاً لضوابط المهنة والمعايير الأخلاقية والإنسانية والموضوعية.. وهل استطاع الإعلام في وقته الحالي أن يحقق التوازن بين حق الجمهور في الحصول على المعلومة الواضحة الصادقة وبين تجسيده للحقائق من مواقع الأحداث دون ممارسات ضبابية وإثارة للشكوك أو إفراز حالة من التيه والإرباك حول الأحداث.
أسئلة كثيرة تدور في المخيلة.. لكن السؤال الأهم الذي يُطرح في ظل ما يمر به العالم اليوم من موجات إرهابية طالت العديد من الدول وباتت تمثل تحدياً إقليمياً ودولياً رغم قناعة متزايدة حول فشل المقاربة الأمنية والعسكرية في محاصرتها وتطويقها فيسهل القضاء عليها السؤال هو.. هل يمكن أن يعيش الإرهاب دون تغذية إعلامية.. وهل التغطية الإعلامية المبالغ فيها والتكرار المستمر في عرض الجرائم الإرهابية ومرتكبيها يعطي وهجاً وشجاعة لمن يقف وراءها سواء كانوا أشخاصاً أو منظمات إرهابية لارتكاب مزيد من أعمال الإرهاب ونحر الرؤوس والتمدد في جغرافية الأرض.. بمعنى هل يؤدي النشر الاعلامي لجرائم الإرهاب أياً كان نوعه إلى رفع معدلات الإرهاب والعنف الاجرامي.
لا شك أن العالم اليوم يعيش مواجهة أمام ظاهرة إجرامية منظمة وخطيرة وعلى يد أشخاص وجماعات تنسب نفسها إلى الإسلام والإسلام منها براء.. تقدم صورة مشوهة عن الدين الإسلامي الحنيف وتصدر فتاوى لا تمت للإسلام بصلة.. إلا أنه وفي ظل تنافس وسائل الإعلام المختلفة على النقل الفوري لجرائم هذه المنظمات الإرهابية وعرض مشاهد مأساوية من جرائمهم وتكرار العرض مرات متعددة بل على مدار الساعة.. وإجراء مقابلات إعلامية متعددة مع أصحاب الفكر المتطرف أو حتى مع من يسعون لإثارة الفتن وخلق الفوضى والصدام بين مختلف الطوائف وكأن هذه التغطية الإعلامية المكثفة تأتي كمكافأة لهم على أعمالهم الإجرامية الدنيئة.. في ظل هذا وجدت المنظمات الإرهابية من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة سلاحاً لتسويق أهدافهم وتحقيق غاياتهم.. وذلك بسبب الهالة الاعلامية المكثفة المصاحبة لجرائمهم والموازية لقدرتهم على تطويع وسائل الإعلام المتقدمة التي لعبت دوراً كبيراً في التأثير على عقول الشباب واليافعين مما أدى إلى تنامي ظاهرة الإرهاب وتزايد أعداد المغرر بهم للانضواء تحت لواء المنظمات الإرهابية كداعش وغيرها.
إن أهمية وسائل الإعلام لا تكمن في اقتنائها وإنما في كيفية توظيفها وتطويعها بشكل هادف وعلى نحو يجعلها قادرة على الطرح والتعبير بموضوعية عند تناول القضايا المختلفة.. وظاهرة الإرهاب من القضايا الإشكالية التي يتناولها الإعلام كحدث مع هيمنة الطابع الإخباري على الحدث بينما تتوارى معالجة الجذور والأسباب العميقة إعلامياً وتغيب التغطية التحليلية والتفسيرية إلا ما ندر.. لذلك لا بد من إعادة النظر في مضامين العمل الصحفي والإعلامي بشكل عام فيما يتعلق بظاهرة الإرهاب واستبدالها بمضامين تركز على معالجة الإرهاب والعنف الاجرامي والتصدي للقنوات الفضائية التي تمارس أدواراً تحريضية وتروج للعنف والأفكار المتطرفة.. كما يحسن التقليل من جرعات المشاهد الدموية والعنف والقتل والتركيز على النواحي العلاجية لظاهرة الإرهاب.. والانتقال من التركيز المكثف على التفاصيل الدقيقة للعمليات الإرهابية إلى تقديم الرؤى نحو السلوكيات الإيجابية والتوعية الإعلامية ضد مخاطر الإرهاب فكراً أو جريمة.