رقية الهويريني
أطلق العرب الأوائل على اليونانيين القدماء تسمية «الإغريق»؛ وهي مجموعة عرقية لها حضارة ضاربة في القدم، فهي أول بلد اخترعت النقود في العالم، ومنها استمد العرب الفلس والدرهم والدينار؛ ولكن حضارتها القديمة لم تشفع لها بالتدهور الاقتصادي حالياً! فمنذ ما يزيد عن خمس سنوات بدأنا نسمع عن أزمة الدين الحكومي اليوناني التي عصفت باقتصادها في أبريل2010م حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضاً لمساعدتها على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد.
وتعود جذور المشكلة اليونانية إلى سوء أداء اقتصادها قبل انضمامها إلى منطقة اليورو، حيث كانت تعاني من مشكلة ضعف المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي والرفاهية لمواطنيها، فضلاً عن عدم السيطرة على النفقات العامة وزيادة الديون، مما دفع الحكومة للاقتراض من الدول الأوروبية، وبالتالي تراكمت عليها ديون عالية جداً، وصار من الصعب تسديدها خصوصاً بعد أن ربطت مصير اقتصادها الوطني بعجلة الاقتصاد الرأسمالي الأوروبي والعالمي، وقبلت جميع شروط الاتحاد! ولا شك أن الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية قد أثرت على اليونان حكومةً وشعباً، الذي وجد نفسه في طاحونة الأزمة!
ومما فاقم الضائقة بيع السندات الحكومية بأبخس الأثمان وبأسعار فائدة فاحشة، وصار متوقعاً انهيار الاقتصاد في أي لحظة، حتى أدى لمطالبة اليونان ببيع سيادتها على بعض جزرها! ووصل مقدار عجز موازنتها إلى حد كبير وتراكمت ديون الحكومة حتى فاقت 120 % ولم تستطع البنوك الاقتراض بسبب هبوط تصنيف سنداتها عالمياً، وصعوبة اقتراض الحكومة من الأسواق لارتفاع أسعار الفائدة!
ولعل من الأسباب الكامنة وراء الأزمة هو اعتياد الشعب اليوناني على العيش فوق طاقاتهم وأعلى من دخلهم الحقيقي، حيث عانى اقتصاد بلدهم من تضخم وصل إلى 40 % من الناتج المحلي وتسبب في ارتفاع معدل البطالة في اليونان، حيث بلغ 21.8 % وهو ما ينبغي أن تنتبه له الحكومات فلا تلجأ للاقتراض الداخلي أو الخارجي لما يشكله من خطورة على الاستقرار الاقتصادي الوطني طالما كان هذا الاقتراض يفوق مقدرتها على السداد. مع ضرورة الالتزام بسياسات وقائية واحترازية للبنوك.
وبرغم وجود اليونان تحت مظلة تكتل اقتصادي قوي؛ إلا أنه لم يمنع سقوطها نتيجة استهتارها وطيشها. والعجيب أن المواطن اليوناني الذي اخترعت بلاده النقود محرومٌ من دخول البنوك طوال أسبوع كامل، فلا يستطيع سحب أكثر من 60 دولاراً في اليوم من ماكينات الصرف، فلنعتبر!!