زكية إبراهيم الحجي
يتخبط العالم العربي في متاهة من المفاهيم والسلوكيات التي لا يمكن أن تساعد على ولادة أي نوع عقلاني ومتزن من الديمقراطية، وما ذلك التخبط إلا نتاج عيش أجزاء كثيرة من الوطن العربي تحت وطأة أنظمة حكم تعسفية ديكتاتورية حجَّمت إرادة شعوبها.. وأقفلت عقولها وربّت أجيالاً مسيرة.. وأوجدت فراغاً هائلاً يفصلهم عن المشاركة مع شعوب أخرى ولو بتجارب إنسانية، وكأنهم شعوب أدنى من غيرهم
قبل الحديث عن الثقافة الديمقراطية التي تعطي الشعوب فرصاً أكبر للتأثير على مجريات حياتهم العامة وتنمي استقلاليتهم وتُكوِّن لديهم أرضية خصبة لمعرفة حقوقهم وواجباتهم.. وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة للإبداع في كثير من المجالات لإيجاد حلول أكثر ملاءمة لإدارة أي صراع.. لا بد من العودة إلى مفهوم الديمقراطية لتضح صورتها الثقافية أمام الشعوب والمجتمعات.
الديمقراطية مفهوم حديث نسبياً في تاريخ البشرية.. أُخِذ جدياً في التداول على الألسنة منذ ثلاثة قرون.. وقد تكوَّن هذا المفهوم من خلال التجارب الإنسانية المتعددة ليُشكِّل فلسفة سياسية تحقق التعايش المشترك في أي مجتمع من المجتمعات كما تحقق استقلالية الفرد وسلوكه العقلاني المتحضر مع بقية الأفراد في مجتمع منظم يعرف ما له وما عليه.. من هذا المنطلق تنمو الثقافة الديمقراطية بشكلٍ تدريجي بالفكر والتجربة والتطبيق، فينعكس أثر ذلك على متطلبات إنسان العصر الحديث في جميع المجالات دون استثناء.
الديمقراطية سلوك جماعي والسلوك الديمقراطي يظهر في جميع مجالات العلاقات الإنسانية وأهمها الأسرة.. فالحوار حول أمور تسيير شئون البيت والأسرة هو أول تجربة للديمقراطية.. شرط أن يكون هناك مساواة في المشاركة بين رب الأسرة وربة البيت لإدارة شئون الأسرة والوفاء برعاية الأبناء والحرص على المشاركة في تربيتهم.. فبدون الحوار والمشاركة والنقاش المفتوح الذي يعطي للأبناء دروساً سليمة تنتفي الديمقراطية.. المشاركة في الحوار مع الاحترام يُنمِّي استقلالية الأبناء ويزيد من قدراتهم الخلاّقة.. كذلك الحال في البيئة المدرسية.. فعندما تكون هذه البيئة مشبعة بالقيم الديمقراطية ومطبَّقة على أرض الواقع فإنها تكون مجالاً للانفتاح على الآخر وتنمية العقول الواعدة واستقلاليتها فيكون الإبداع المشترك.. أما في المحيط الاجتماعي العام فإن قبول الأفراد لبعضهم البعض أمر حيوي لاحترام الذات والشعور بأهمية الفرد وتميزه ضمن الجماعة.
الثقافة الديمقراطية فكر وسلوك.. وتنظيم سياسي واجتماعي.. تتطوّر تبعاً لمفهوم الشعوب عنها وتبعاً لسلوكهم الجماعي مع بعضهم البعض، هي عملية متواصلة تحتاج إلى مزيد من الوعي وتربية الأجيال الناشئة عليها.