محمد آل الشيخ
كلنا يتذكر أولئك الحركيين ممن يطلقون على أنفسهم لقب مشايخ أو(دعاة)، وهم يُدبجون البيانات، تلو البيانات، يُشجعون الشباب الغر البسطاء، على الالتحاق بكتائب من سموهم حينها (المجاهدين)، في العراق أولاً ومن ثم في سوريا، وكنا إذا حذرنا منهم، ومن المآلات الخطيرة التي تنتظر بلادنا بعد عودتهم، لا نسمع من هؤلاء المحرضين والمصفقين لهم إلا: (اخسأ أيها الزنديق)، أو (أصمت أيها الليبرالي)، وها هي النتائج تأتي تماماً كما توقعناها، فبضاعة هؤلاء الحركيين المحرضين رُدّت إلينا، ورماح جهادهم المزعوم عادت إلى صدورنا، والأدهى والأمر أن المؤشرات تقول إنها البداية والقادم أفضع وأبشع وأشنع؛ فالمجرمون من حركة داعش الذين هدموا المساجد على رؤوس المصلين في المنطقة الشرقية وفي الكويت، هم من دواعش الداخل، المتعاطفين معهم، ولم يغادروا البلاد، أما العائدون من العراق وسوريا، فهم في الطريق، وسيكونون أكثر شراسة وتوحشاً قطعاً؛ فدواعش الداخل وضعوا فقط الحروفَ واضحة على اللوح من الآن وسوف يضع القادمون من سوريا والعراق النقاط على الحروف، وسوف ترون حينها.
ويبدو أن بعضهم بدأوا يشعرون -(قلقين)- أن (قواعد اللعبة تغيرت) -كما اعترف أحد أساطينهم- وأن ثمة إرهاصات تقول إن المشكلة تكمن أولاً في المحرضين المتأسلمين على الجهاد؛ وهؤلاء معروفون، وبياناتهم وتغريداتهم منتشرة، وملاحقتهم جنائياً كمجرمي حرب أصبحت ضرورة لا حل لهذه المعضلة العويصة إلا بالانطلاق منها؛ فلا يمكن القضاء على هذا الغول المتوحش، إلا بالقضاء عليهم مهما كلف الأمر.
وليس لدي أدنى شك أن قلة من هؤلاء المحرضين الآن، يعضون أصابع الندم، أما الأغلبية، فلن يشعروا بها، إلا إذا سقطوا في حبائل الملاحقة؛ فمشكلة أكثر المسيسين المتأسلمين هؤلاء، أنهم محدودو الأفق، نظرتهم لا تتعدى أطراف أنوفهمم؛ فمثلاً مؤلف كتاب (واقع الرافضة في بلاد التوحيد) -يقصد ببلاد التوحيد حصراً المملكة - عاد وبشكل مضحك عما جاء في مرافعات كتابه التحريضي الخطير، وسفّه بما أقترفه الدواعش في مساجد الشيعة من جرائم بشعة، ورهانه على أن الناس دونما ذاكرة، ونسوا كتابه وما احتواه، وبالإمكان أن (يُموه) عليهم بالإنكار على ما فعله الدواعش من جرائم نكراء شنيعة هزت وجدان السعوديين، رغم أنه ممن رسخوا هذه الثقافة (التكفيرية) الإقصائية، وساهم في تكريسها، في خطابه الاقصائي الذي كان يسعى إليه في كتابه.
ومثل صاحبنا الإقصائي هذا كثيرون؛ حتى أن أحد سفهائهم ممن يحمل درجة دكتوراه، وهو بالمناسبة رجل فارغ من الحصافة والرصانة في القول والعمل فراغ من يُلقي بنفسه إلى التهلكة وهو لا يعي، غرد مرة مُقللاً من خطر الداوعش الذين نعتهم بالخوارج، ومُضخماً في المقابل من خطر الشيعة، يخاطب أحدهم في تويتر: (الرافضة أشد إجراماً على مر التاريخ لكنك تكذب وتغالط واقرأ التاريخ، الخوارج يمكن القضاء عليهم أما الرافضة فيصعب جداً)؛ ولسان حال هذا المجعجع يقول: (إذا لم نقض على من اختلفنا معهم، فهم الخطر المحدق بنا مثلما كانوا على مر التاريخ)؛ فهل ثمة إقصاء أشد من هذا التعفن الإلغائي القميء بالله عليكم؟.
المحرضون على الجهاد في العراق وسوريا، وإقصائيو المذاهب والفرق الأخرى، أو (المكفراتية)، ومثلهم المسيسون المتأسلمون، المتوشحون بالعنف المسلج منهجاً وممارسة، هم في الواقع من جمعوا الحطب وأشعلوا فيه النار، وتركوا الحرائق تقضي على الأخضر واليابس؛ أو بلغة أخرى هم بمثابة العوامل التي تضافرت وتجمعت وتطرفت وأنتجت (داعش) وجرائمها؛ فهم مشاركون مشاركة جوهرية في ما وصل إليه العالم من مآسٍ ومن دماء وفتن وقلاقل، ولا بد للعالم من محاسبتهم كما يُحاسب مجرمو الحروب؛ وهو قطعاً ما سوف ينتهي إليه العالم في النهاية مع هؤلاء المحرضين ولو بعد حين.
تنويه: حصل لبس في مقال الثلاثاء الماضي، فالمقصود عوض القرني، وليس عايض القرني، أما مقال الكتاب المسروق، فيخص (عايض) وليس «عوض».
إلى اللقاء،،،