د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يزخر موضوع قبول الطلاب في الجامعات بامتلاء وحضور، ومن هنا وفي ذلك الموضوع الذي بسطه الواقع وحدّده الوقت الحالي، فإننا نؤمن بشدة بأن ثوب القبول مازال يتسع على الراقع، ومع وضوح النظام، وتجلي الحدود، وانسيابية الإجراءات بدئ من التقديم على الجامعات إلى أن يستقر ملف الطالب والطالبة في أروقة عمادات القبول؛ إلا أن بعض الطلاب مازالوا يضربون في المجاهل، ومازال القلق ينهش هدوء كثير من الأسر، ومازالوا يرددون:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
نعم إن واقع القبول اليوم أخرج التباريح من إهابها، وإذا بدأنا في طرح القضية فلنبدأ بتلك التحضيرية التي هي محطة القبول الأولى في جميع صياغاتها المختلفة وكلها تسقى بماء واحد؛ فإن واقعها يتحدى الطلاب، ويقلب موازينهم كانت وما زالت إحدى سنن التعليم العالي سابقا، هدفها كما يلوّحون تغطية العجز في مخرجات التعليم العام؛ هذه السنة حددت مصائر الكثير من الطلاب؛ وحدت بشكل مؤلم من فرص تحقيق رغبات الطلاب وميولهم.
ولن أسرد في واقع هذه التحضيرية التي لم تحضر شيئا ذا بال؛ بل غادر الطلاب بسببها بلاط الجامعات؛ وتسربوا؛ وضاعت سنوات من أعمارهم التي يحتاجونها ويحتاجها الوطن؛ ضاعت إما في التنقل وطرق أبواب أخرى، أو في الانتظار لعل طارقاً يطرق بليل ليصحح المسار حيث قضت آمالهم أمام بوابات السنة التحضيرية؛ هناك نرى طلاب العلوم الطبيعية تحولوا الى باحثين في المكتبات والأدب!!؟ وجميل جدا أن تكون ثقافة جيل لا قطار مستقبل لمن لا يحسن تلك الصناعة ولا يهواها.
وكما نؤمن أن فاقد الشيء لا يعطيه في كل شأن، فإن من يقسر على دراسة تخصص لا يرومه كمن لا يجد حيزاً ليعبر منه وينكص ولات حين نكوص.
إن كثرة مشاهد السنة التحضيرية تتفلت من الذهن، ولعل ما ذكره معالي وزير التعليم -وزير المرحلة - المتحمس الذي ملك صولجان التغيير؛ بأن هناك عيناً على السنة التحضيرية تذوب وتقطر؛ ولعل في قطراتها حل وأمل.
ثم إنني أرى أن انشقاق الجامعات عن بعضها ونأيها جميعاً عن مصلحة الطلاب عندما تغلق نوافذ القبول أمامهم فيما يرغبون ويسعدون به تعلماً ومهنة مستقبل، واستشراف جميل للطالب وأسرته ووطنه؛ ثم تحيلهم إلى أخرى لا يرغبونها إنما جاءت وفق النظام العجيب الذي يلزم الطلاب أن يسجلوا رغبات تتعدى خمس عشرة رغبة وتصل الى أعلى من ذلك في بعض المسارات!!؟ وهذا القسر التنظيمي يجب ألا يسمى رغبات لأن الفطرة الإنسانية لا يمكن أن تتعدد رغباتها في شأن واحد إلا في حدود المجال ذاته يقول الحكيم الخبير {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} الاحزاب آية 4.
وربما لو كانت مجالات متاحة لكان المصطلح أدق وأندى!!؟ هذا إذا سلمنا بسلامة الإجراء.
يقول اللطيف الخبير {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} البقرة آية 60
ويقول سبحانه {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} طه آية 50.
ويقول نبي البشرية محمد صلى الله عليه وسلم «اعملوا كل ميسر لما خلق له» رواه البخاري.
وعندما يتقدم الطلاب إلى مواكب الجامعة تبقى نتائج القبول هنيهة من الزمن خلف شاشات الهاتف بالنسبة للطلاب؛ فتصبح مزارهم إلى أن تقفز النتيجة مخترقة سنوات مرت، وقد تكون ضرت بإغلاق الآمال عند الرغبة العاشرة أو ما يماثلها بعدًا وهو مما رصده الطلاب قسرًا ورست عليه المناقصة.
وبلادنا سامقة مغدقة بفضل من الله؛ افتتحت الجامعات في جميع المناطق وفروعها في المواقع المحاذية للجامعات الأم، ودعمت التعليم الجامعي الأهلي رافدًا جديدًا وفق معايير وقياسات ملزمة.
فلماذا تدفن رغبات الطلاب وميولهم، ويلجون في مجالات قد يستمرون فيها ويعملون؟ وكيف يقدح النجاح في العمل والتفوق في التحصيل ووجدان الطالب لم تشعله محصلة القبول في أساسها.
وإذا ما رأينا مجال التعليم الجامعي الأهلي فإن ولوج الطالب إليه يلزمه رباطة جأش وإقدام؛ فنواعيق الخطر تخذل ولا تشجع خاصة في محيط الأسر متوسطة الدخل؛ حيث يخشون ما يسمعون من مغادرة الجامعة إذا مال الطالب عن سقفها ذات الشمال.
إن الدراسات الطبية والعلمية والهندسية هي المضمار الذي يتسابق إليه نسبة كبيرة جدًا من الطلاب، وفي ذات الحال ترقبهم تنمية الوطن وحضارته؛ وسوق العمل في حقيقته وحقائقه يفتح لهم آفاقًا، والنظام مرن في بلادنا فيما يحقق المصلحة والدعم؛ وسقف المسئولية يعلو بتوفيق الله؛ فنتمنى ألا تكون علاقة الطلاب المستجدين بالجامعات من الأحاجي التي يسردها الواقع، وأن تلتفت وزارة التعليم لتقييم الطلاب عند القبول من خلال معادلة مهاراتهم برغباتهم، وأن يكون الاحتياج الأكثر إلحاحًا في صدارة القبول له من عدد وعدة، وأن يدعم بالمميزات حتى يتم تسديده؛ حتى لو كانت الوظائف خدمية أو يدوية؛ مما يعني ربط خطط القبول في الجامعات بخطط احلال الوظائف الوطنية؛ فمثلاً وزارة الصحة كما نعلم الوظائف الوطنية بها قليلة جدا وهذا القطاع وثيق الصِّلة بالحياة والنَّاس؛ وفي ذات الموضوع نرى أن الجامعات تحتضن كليات للعلوم الصحية بشعبها المتعددة، ورغبة الطلاب في دراسة ذلك والعمل فيه تتصدر حشود المتقدمين للقبول في كل عام؛ ولكن يقف الاستيعاب وربما غيره مما لا يسعني بسطه خلف عدم قبول الكثير من المتقدمين؛ وهذا مثال وهناك مجالات تخصصية أخرى نواتجها مطلوبة في سوق العمل تدخل أيضًا في دوائر الامكانية.
والقبول في الجامعات شأن وطني كبير؛ فمن المؤمل ألا يعبر جسورا هشة؛ وألا تكون محطات الوصول فيه مؤلمة؛ فكما كان برنامج الابتعاث الخارجي «وظيفتك وبعثتك» قفزة في تاريخ الابتعاث وصناعته وتخطيطه شق طريقها وأقام بناءها وزير العزم؛ فإن قبول الطلاب في جامعات الداخل يحتاج إلى عزيمة وحكمة حتى يكون «تخصصك ورغبتك» ولعل نتائج القبول تحظى بديمة وشمس جديدة؛ وينطلق هنا في بلاد النور مشروع قبول وطني كبير يدرس بعناية؛ ويأخذ حيزاً زمنياً يمكّن الطلاب من أهدافهم والوطن من جذوة أبنائه، فتكون أودية القبول متواشجة لتنمو الحقول.
وأولى خطوات المشروع أن تحمل رغبة الطالب فوق الأعناق، فإن لم يكن في الجامعة التي تصدرت عنده؛ فتفتح أمامه بوابة الجامعات الأخرى في ذات التخصص بداية بالجامعات المحيطة ومن ثمّ ما يليها في مناطق البلاد فقد كان الطلاب سابقاً يشدون الرحال الى الرياض وجدة والدمام لدراسة تخصص بعينه حيث لم تكن الجامعات بالوفرة الحالية؛ وإن تعثرت تلك الخطوات وأحسبها سترفل بالنجاحات؛ فيحول الطالب المقبل الراغب في ذات التخصص الى جامعات المنح الداخلية من خلال أنظمة القبول في الوزارة مباشرة.
المهم والجدوى أن يُحتوى الطلاب في رغباتهم الأولية من خلال وزارة التعليم وأن تصاغ أنظمة قبول تحقق ذلك.
وقد يكون هناك تعثر وتأخر من ندرة من الطلاب بعد تمكينهم؛ فذلك أمر له إجراءاته سواء في التعليم الجامعي الحكومي او الأهلي.
واعتقد أن هناك من سيرى أن بعض المسارات في الجامعات سوف تغلق إذا ما تحققت رغبات الطلاب.
ولن يكون لتلك المسارات نصيب من الطلبة الذين أفرزهم القبول!! وهذا موضوع لا مشاحاة فيه فالطالب الراغب في التخصص سوف يصدره القائمة ومن ثم يرصد رغبات لها اتصال بما تصدر؛ وسوف يكون فارساً فيه؛ ومن لا يروم المكان لا بد من إعادته إلى ميوله واستعداده وإلاّ صار صيداً خاسراً.
ومن البراعة أن تغلق بعض التخصصات التي أثبت الواقع أن لا مكان. لها في سوق العمل؛ كما أنه من الفكر والابداع الاستباقي افتتاح تخصصات ومسارات جديدة وفق حاجة الوطن؛ وأن يكون استقطاب الطلاب لها من منطلق المعادلة بين المهارات والاستعداد والميول.
وأبثُ شجن آخر من شجون القبول وعندي فيه دلاء ملأى؛ وذلك عندما تكون في يد الطالب شهادات محلية ودولية لمشاركته في شأن وطني مثل المجالات التطوعية المختلفة وبرامج الكشافة والشهادات الدولية في مجال الابداع والموهبة وشهادات اجتياز البرامج الدولية المطبقة في بعض المدارس الأهلية وغيرها مما كانت تحت مظلة التعليم ذاته، فلماذا لا يكون لتلك الشهادات نقاط مجزية في أنظمة القبول في الجامعات!! وإلا كيف نشعل الضوء في إهاب الطلاب؛ لتقدير ذواتهم وتقديم البذل والجهد الأسمى لوطنهم.