يوسف المحيميد
حينما قال لي أحد أقاربي ذات يوم إن هناك شباباً يسافرون من بريدة إلى المدينة لجلب وجبات أحد المطاعم الشهيرة لم أصدقه، وشرح لي بأنهم يتكسبون بوظيفة توصيل (ديلفري) لوجبات هذا المطعم بسياراتهم الخاصة، وربما فات عليهم أن يتقدموا لموسوعة جينيس لتسجيل أطول (ديلفري) لوجبات ساخنة، ينقلونها حسب الطلب من هذا المطعم في المدينة المنورة إلى عملائه في بريدة. فأي ضرب من الجنون هذا الشغف؟ وأي مطعم يحظى بكل هذا الاهتمام؟ وأي ترفيه للمعدة كي تهنأ بوجبة تُنقل لها من على مسافة تزيد على خمسمائة كيلومتر؟
وقد أدرك ملاك هذا المطعم أن هؤلاء الذين يدفعون أضعاف قيمة الوجبة، ونقلها بالسيارات إلى مدينتهم، يستحقون فتح فرع أو فرعين من هذا المطعم، وهذا ما حدث فعلاً، وهو ما جعلني أصدق حكاية توصيل الوجبات رغم جنون الفكرة، حينما شاهدت صور افتتاح هذا المطعم في بريدة، والحشود البشرية المذهلة، وحالات الإغماء بين المحتشدين، ومشاركة الإسعاف والطوارئ، والاستنفار الكبير لهذا الحدث!
وليت الأمر توقف عند ذلك، بل تم استيقاف بعض شباب بريدة، والتحقيق معهم، ممن صوَّر بلباس الإحرام، وتظهر خلفه لافتة المطعم، ساخراً أو مراهناً رفاقه على ذلك، بما يكشف عن ربط ذاكرة المعتمرين من أهالي بريدة بوجبات هذا المطعم، وكأنما تناوُل وجبة منه يرتبط بأداء شعيرة العمرة، أي أن العمرة لديهم ترتبط بوجبات هذا المطعم الشهير في مكة! إلى درجة التندر والسخرية المرَّة بأن فتح فرع من هذا المطعم في بريدة قد يخفف زحام العمرة؛ إذ يكتفي هؤلاء بتناول الوجبة في مدينتهم دون الحاجة إلى السفر، في إشارة ساخرة إلى أن من أهم حوافز سفرهم هو تناول وجبات هذا المطعم!
ولعل من أجمل نتائج فتح هذين الفرعين في بريدة هو توظيف نحو سبعين مواطناً، وإسهام شركة المواد الغذائية المالكة للمطعم في توطين الوظائف، وتقليل بطالة الشباب؛ إذ تستهدف مستقبلاً توظيف نحو خمسمائة مواطن في سلسلة مطاعمها في بريدة، وهو أمر إيجابي بلا شك، قامت بدعمه إمارة المنطقة، وهو الدور المتوقع منها في دعم توظيف الشباب في هذه المنطقة، كما في مختلف مناطق المملكة!
ورغم أنه يسكن بريدة أكثر من نصف مليون نسمة، ورغم انتشار مختلف سلاسل المطاعم الشهيرة فيها، إلا أن هذا المطعم بالذات له وقع خاص في نفوس أهل هذه المدينة، ويحمل حكايات غريبة وظريفة في الوقت ذاته.