عماد المديفر
كان لروسيا منذ بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة، رفيع التقدير عند الملك عبدالعزيز -يرحمه الله-، وكان الروس ينظرون في المملكة روح التحرر والاستقلال كونها الجزء الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي لم يخضع مطلقاً لنفوذ القوى الخارجية، واليوم فإن العلاقات.
الإيجابية مع المملكة مفتاح الروس للولوج لقلوب وعقول ملايين العرب والمسلمين
ولم تنس المملكة يوماً أن روسيا كانت أول دولة أجنبية لها ثقلها تعترف بقيام مملكة العرب في جزيرة العرب، ووحدة أراضيها، وجنسية مواطنيها، في وقت كانت دول كبرى أخرى تتلكأ. إن مؤسس مملكتنا الإسلامية العربية السعودية العظيمة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -عندما أقام العلاقات الدبلوماسية مع روسيا سنة 1926م، وأرسل ابنه فيصل - يرحمه الله- لزيارة موسكو، ثَمَّن عالياً الدور الروسي الإيجابي تجاه العرب حين كشف لنا الروس نصوص المعاهدات الإمبريالية السرية بين دول «عظمى» أرادت تقاسم النفوذ والسيطرة على عدد من الدول العربية، وخصوصاً اتفاقية (سايكس - بيكو) التي أظهرت خيوط مؤامرة قوىً إمبريالية ركبت موجة الثورات العربية ثم انقلبت عليها وغدرت بالعرب..!
لقد وجدت روسيا في المملكة العربية السعودية حين ذاك ثلاثة عوامل رئيسة من وجهة النظر الروسية، تحفزها على الاعتراف بها واعتماد بعثة دبلوماسية لديها، كان أولها أن هذه المملكة الواعدة - والفقيرة حينها- مملكة أصيلة، راسخة، ولدت من رحم هذه الأرض، بإنسانها وتاريخها وتراثها، وتمتلك زمام أمورها بشكل كامل، ولدت حرة مستقلة، لم تقع يوماً تحت وطأة استعمارٍ أو احتلالٍ أجنبي، أو تخضع لنفوذ قوىً خارجية، إضافة لجغرافيتها، واتصال حدودها ما بين الخليج العربي والبحر الأحمر وقربها من المحيط الهندي، فهي ذات موقع إستراتيجي مهم وحيوي للروس، كما كان لـ»موقع المملكة من الإسلام»، ودورها الريادي الذي تصفه أصوات روسية بـ»المكانة القيادية في العالم الإسلامي بحكم التاريخ والجغرافيا» وأنها «مركز الإسلام الروحي» عظيم الأثر في حرص روسيا إلى المسارعة ببناء العلاقات الدبلوماسية معنا، وتوجيه الدعوة للملك عبدالعزيز - يرحمه الله- لزيارة موسكو، لا سيما وأن تعداد المسلمين الروس يعد بعشرات الملايين.
وما كانت هذه العلاقات السعودية الروسية أن تتراجع لولا الآثار السلبية للحقبة الشيوعية الإلحادية التي عانا منها الروس أنفسهم قبل العرب والمسلمين، والتي كان لها انعكاسها المباشر على العلاقات الثنائية بين البلدين، لما تحمله المملكة من مسؤولية دينية مقدسة تجاه قضايا العرب والمسلمين، تحتمها عليها مكانتها، وعقيدتها، وارثها، وحضارتها العربية والإسلامية الأصيلة، الضاربة في أعماق تاريخ جزيرة العرب ومنبع الرسالة ومهد الحضارة الإسلامية وقبلة المسلمين وموئل أفئدتهم.
أما اليوم، فإن روسيا تشاطر المملكة بالكامل في موقفها تجاه مواضيع هامة ومتعددة رئيسة، يأتي في مقدمها الحفاظ على استقلال الدول العربية، وحماية الشرعية فيها، ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، لذلك تتفق الرؤى السعودية والروسية تجاه مصر، والعراق، واليمن، وغيرها، كما تتفق تجاه القضية الفلسطينية، حيث تدعم روسيا حق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وتعتقد بإمكانية تحقيق السلام الكامل والعادل وفقاً للمبادرة العربية في قمة بيروت 2002م، مبادرة الملك عبدالله - يرحمه الله-، كما تتفق الرؤى من حيث الجوهر والمبدأ تجاه سوريا في ضرورة الحفاظ على أمنها وسلامتها ووحدة أراضيها، وتختلفان في الشكل، من حيث ضرورة تلبية رغبة الشعب السوري الرافضة لبقاء الطاغية بشار الأسد بعد أن تلطخت يداه في دماء أشقائنا السوريين، ودمر البلاد، وأدخل الجماعات الإرهابية وتعاون معها لتبرير وحشيته وإجرامه، وأن وجوده ونظامه العميل لإيران يشكل أس المشكلة، ومغادرته هي لب الحل.
كما تتشاطر الدولتان الهواجس ذاتها تجاه تنامي ظاهرة «الإرهاب»، حيث عانتا من تبعاته، وبذلتا وتبذلان جهوداً حثيثة في مكافحته مادياً وفكرياً، وقد بادر فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإشارة إلى ذلك حين وقعت في المملكة سلسلة عمليات إرهابية في مايو ونوفمبر 2003م، حيث تحدث عن هذا التشابه بين «الأحداث الفاجعة في الشيشان، وفي المملكة العربية السعودية وتماثل عواقبها»، وكانت تلك التصريحات في الحقيقة مؤشراً نحو انعطاف جذري إيجابي في السياسة الروسية حيال العلاقات الثنائية بين البلدين بعد فترة الفتور السابقة.
ويأتي الاقتصاد والطاقة والتقنية والاستثمار الزراعي والصناعي والتجاري ضمن أولويات البلدين الصديقين، إضافة إلى التعاون العسكري والعلمي..
إن ما يجمع البلدين أكبر بكثير من أي تفصيلات هنا أو هناك، والمملكة تعي ذلك، وتثمنه، وتطمح لانعكاسه على العلاقات الودية الثنائية التاريخية بشكل أكثر فاعلية، لما لذلك من بالغ الأثر على مستقبل المنطقة، بل وعلى العالم العربي والإسلامي، وحل قضاياه الشائكة، واستتباب الأمن والاستقرار ودحر الإرهاب في العالم أجمع..
في زيارة سمو ولي ولي العهد التي حظيت بكل الحفاوة والتقدير من الروس، ولاقت اهتماما عالمياً واسعاً انعكس صداه على وسائل الإعلام الدولية، تفتح المملكة ذراعيها لروسيا الصديقة، والكرة الآن في ملعب الروس.