إبراهيم عبدالله العمار
لاحظتُ فرقاً لغوياً بين العرب والغربيين عند التحدث عن الأشياء والسلع، فعندما مثلاً تذهب إلى مطعم وتلاحظ الناس فسترى أن الطعام إذا تأخر فإن العربي يسأل العامل هناك: أين الطعام؟ أما الغربي فيقول لهم: أين طعامي؟
من يرى هذا فقد يبدو له فرقاً بسيطاً لا يُكتَرَث له ولا يعني شيئاً، لكنه في الحقيقة فرق كبير وله معنى، فالأمريكان - والغربيون عموماً - عندما يتحدثون عن سلعة اشتروها فإنهم دائماً يضيفون كلمة التملك my ويقابلها في العربية ياء الملكية، فلا يقول الغربي: أتى الطلب، أتقَنوا طبخ الوجبة، القهوة حارة، بل يقول: أتى طلبي، أتقنوا طبخ وجبتي، قهوتي حارة. إن هذا ليس اختلافاً لغوياً فقط، بل هو فرق حضاري ثقافي أكثر مما هو لغوي، فهو يُظهر ثقافة التملّك والاستهلاك في الغرب، وهي ليست ثقافة هناك، بل هي أقرب أن تكون ديناً وسبباً للحياة.
إن هذه الرغبة في التملك والاستهلاك لم تقتصر على السلع، بل امتدت إلى كل شيء ممكن، ففي اللغة العربية يقول الناس: «ذهبت إلى الطبيب»، أو: «أتت الممرضة»، أما في الإنغليزية فمن الشائع أن يقولوا: ذهبت إلى طبيبي my doctor ، و: أتت ممرضتي my nurse ، وتكلمت مع محاميّ my lawyer، وهكذا امتدت ياء الملكية وقبضت على كل شيء، فصار لديهم من الطبيعي أن تسمع كلمات مثل: حِميتي، عمليتي الجراحية، مرضي، عُمّالي، كِتابي، فطيرتي، وهلم جراً. بدلاً من «ركبتُ السيارة ثم وضعتُ الهاتف في الدرج وذهبتُ إلى المكتب» يقول الغربي: ركبت سيارتي ثم وضعت هاتفي في الدرج وذهبت إلى مكتبي. بدلاً من: حفّزتُ الموظفين اليوم ثم أخذت العلاج من الصيدلية، فإن الغربي يقول: حفّزتُ موظفيَّ اليوم ثم أخذت علاجي من الصيدلية.
هذه الكلمات ليست بالضرورة خاطئة في حد ذاتها لكن المعنى الكامن وراءها - أي دين التملك وثقافة الاستهلاك عند الإنسان الغربي - هو الخطر، ومثل هذه الأشياء الصغيرة تتسلّل خفية إلى اللغة بشكل لا يشعر به متحدثوها لكنه لمن يلاحظه يُنبئ عن أشياء أعمق بكثير من الظاهر.
الاستهلاكية من أقوى وأشد الأمراض الثقافية المعاصرة، وسلبت الغربيين سعادتهم وراحتهم النفسية منذ عشرات، بل مئات السنين، وصارت الحياة هناك منافَسة في امتلاك أكثر وأحدث وأفخم الأشياء، فمن لا يملك الكثير فهو محل احتقارٍ صامت. امتد هذا حتى شمل - كما نرى هنا - اللغة نفسها.