د. أحمد عبدالله المالك
نشرت جريدة الاقتصادية في عددها 7890 وتاريخ 19-5-2015م ملخصاً لأبحاث قام بها الدكتور خالد السويلم مع علماء اقتصاديين يعملون في معهد كينيدي في جامعة هارفارد، وشملت هذه الأبحاث ثلاث دراسات علمية مستخدمة فيها نماذج معادلات رياضية مطبقة وفق ما درسناه في علم الاقتصاد الرياضي. وكان الهدف الرئيس لتلك الدراسات التي لخصها الدكتور السويلم في مقال طويل (30) صفحة نشرها مركز بلفر للدراسات الدولية في معهد كينيدي بجامعة هارفارد، وعنوانه «دور الصناديق السيادية في فصل المصروفات عن دخل البترول وتحقيق مصدر دائم دون الاعتماد على دخل البترول». {إعداد نموذج لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي المطلوب}.
الخلفية: كما هو واضح من عنوان المقال أن الدكتور السويلم استفاد من الدراسات التي قام بها المعهد لدراسة الصناديق السيادية في (15) دولة تملك صناديق سيادية وتديرها بسياسات وطرق مختلفة بحسب وضع كل دولة، وذلك لإعداد بحثه عن الأوضاع المالية في المملكة والخروج بتوصيات محددة.
من هو الدكتور خالد السويلم؟
في صباح أحد أيام عام 1991م اتصل بي سنترال وزارة الدفاع عندما كنت نائباً لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، وأخبرني أن الأمير سلطان سيتحدث معي، وفعلاً وصَلَني بسموه حيث قال لي سأرسل لك صديقاً عزيزاً اسمه عبد العزيز السويلم، ضروري تهتم به، وفعلاً مرَّ علي الشيخ عبد العزيز السويلم وقال لي إن ابني خالد السويلم يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بولدر بولاية كولورادو، وأنه أمضى ما بعد الدكتوراه عامين في كلية الاقتصاد في جامعة هارفارد كزميل باحث ومتدرب. وقلت له إن المؤسسة تبحث وترحب بحاملي الشهادات العالية من الشباب، وطلبت من ابنه أن يقابل مدير عام الشئون المالية والإدارية آنذاك الدكتور عبد الرحمن النعيم الذي أوصى بتعيينه في إدارة عمليات الاستثمار، وقد تم ذلك بعد دعمه بتوصية أخرى من مدير عام إدارة الاستثمار الأستاذ محمد الخطيب. وقد استمر في عمله في إدارة عمليات الاستثمار وتقلب في مناصب عدة فيها حتى تم تعيينه مديراً عاماً للاستثمار ثم تقاعد مبكراً بعد خدمة دامت أكثر من عشرين عاماً.
لم أقابل الدكتور السويلم -إذا لم تخني الذاكرة- إلا مرتين إحداها في ندوة عن الاستثمار أقامتها أحد البنوك، والأخرى في حفل عشاء خاص، ولذلك فمعرفتي به محدودة، ولكن قراءتي لبحثه وتطبيقه على المملكة بتعاونه مع كبار الأساتذة في هارفارد شدني إلى أن أقوم بتلخيص البحث مع بعض التصرف بالحذف أو الإضافة، وأن أتبنى هذا البحث الذي ليس مفيداً لدارسي علم الاقتصاد الرياضي من الناحية النظرية، ولكن حتى من الناحية العملية، ولذا فإني أناشد مدرسي علم الاقتصاد في جامعاتنا بأن يقوموا بتدريس هذا البحث لطلاب الدراسات العليا في الجامعات للفائدة العامة. أما أنا في هذا المقال فسأحاول ما استطعت تبسيط الموضوع ليسهل على القارئ غير المتخصص في علم الاقتصاد استيعابه.
وكخلفية لكل ما توصل إليه الدكتور السويلم وزملاؤه من نتائج وتوصيات قاموا بسرد المعلومات والحقائق والإحصاءات الدقيقة عن اقتصاد المملكة أورد بعضاً منها فيما يلي:-
- تعتبر تكاليف إنتاج البترول في المملكة من أقل دول العالم، فبينما على سبيل المثال تكلفة إنتاج برميل البترول الخام في فنزويلا (80) دولاراً، فإن تكلفة الإنتاج في المملكة لا تتجاوز (20) دولاراً للبرميل.
- يشكل دخل المملكة من البترول (90%) من ميزانية المملكة السنوية.
- تشكل صادرات المملكة من البترول (85%) من إجمالي صادرات المملكة.
- لقد انخفضت أسعار البترول منذ منتصف عام 2014م إلى النصف، وهذا يعني أن الدخل من البترول مع ثبات كمية الإنتاج قد ينخفض بمقدار النصف.
- إن معدل النمو السكاني في المملكة يساوي 3.7%، وهذا يعتبر من أعلى معدلات النمو في العالم. وهذا يعني أنه حتى لو عادت أسعار البترول إلى ما فوق المائة دولار للبرميل فإن الزيادة في عدد السكان تحتم زيادة أسعار البترول على المدى البعيد ما بين 5 - 7% في السنة ليكون الوضع المالي كما هو عليه في الوقت الحاضر.
- حتى لو قررت المملكة زيادة الإنتاج من (9.5) مليون برميل في اليوم إلى طاقتها القصوى في الإنتاج (12.5) مليون برميل يومياً فإن هذا قد يصعب تحقيقه نظراً لانخفاض الطلب ولزيادة العرض من قبل منتجين آخرين من منظمة أوبيك ومن خارجها. كما أن العرض من الطاقة المتجددة والاكتشافات الأخرى كالنفط الصخري تحول دون استخدام المملكة لطاقتها القصوى من الإنتاج.
- لقد عانت المملكة منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي من عجز في ميزانياتها مما اضطرها إلى الاقتراض من الداخل حتى أصبح حجم الدين العام في عام 1999م أعلى من الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة قدرها (103%) من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
- لقد تمكنت المملكة من زيادة احتياطياتها النقدية في الفترة 2005م حتى عام 2014م لتصل إلى (905) مليار دولار في نوفمبر 2014. كما قامت بتسديد دينها العام حتى انخفضت نسبة الدين العام في عام 2015 من 103% من حجم الناتج المحلي إلى 1.6% فقط، وهي نسبة منخفضة بكل المعايير.
- لقد انخفض الاحتياطي العام حتى وصل في أبريل 2015 إلى (720) مليار دولار، أي بنقص قدره (185) مليار دولار، ويعادل (694) مليار ريال، أي أن الاحتياطي العام نقص بمعدل شهري قدره (116) مليار ريال في الفترة نوفمبر 2014 حتى أبريل 2015 (ستة أشهر فقط). وهذا يعني أنه لو استمر السحب من الاحتياطي بهذا المعدل الشهري فإن الاحتياطي سيتلاشى خلال (29) شهراً.
- لقد تم إعداد ميزانية المملكة لعام 2015 على أساس مصروفات قدرها (230) بليون دولار (860) بليون ريال، وعلى أساس دخل قدره (190) بليون دولار (750) بليون ريال، أي بعجز قدره (40) بليون دولار (150) بليون ريال. وبهذا تكون وزارة المالية قد افترضت أن دخل ميزانية 2015 لا يقل إلا بنسبة قدرها 16% عن دخل عام 2014. وبالطبع هذا الافتراض غير دقيق لأن أسعار البترول انخفضت بنسبة لا تقل عن (50%). وبما أن الميزانية تعتمد على (90%) من دخل البترول (كما سبق ذكره) فهذا يؤكد عدم صحة فرضية أن الدخل سيكون (190) بليون دولار، بل سيكون أقل من ذلك بكثير.
- بينما المملكة تحتاج لتوازن المصروفات والإيرادات سعراً قدره (106) دولار للبرميل لتوازن مصروفاتها مع إيراداتها فإن دولاً أخرى مصدرة للبترول مثلها تحتاج إلى أسعار أقل بكثير لتوازن مصروفاتها مع إيراداتها، فعلى سبيل المثال لا تحتاج النرويج إلا إلى سعر قدره (40) دولاراً للبرميل، كما أن الكويت لا تحتاج إلا إلى سعر قدره (54) دولاراً للبرميل. أما الإمارات العربية المتحدة فتحتاج إلى سعر قدره (55) دولاراً للبرميل. ونظراً لأن الأسعار من غير المتوقع أن تصل إلى السعر الذي ترغبه المملكة لتوازن ميزانيتها (106) دولار، فهذا سيجعل الأمر أكثر صعوبة للمملكة مما يضطرها إلى السحب من احتياطياتها، وهذا ما حدث بالفعل كما سبق ذكره.
- لا تستطيع المملكة أن تخفض من مصروفاتها، إذ إن ما يصرف على الدفاع والتعليم والصحة والشئون الاجتماعية يشكل (80%) من مصروفات الميزانية، كما أن الرواتب لموظفي الخدمة المدنية من مدنيين وعسكريين تشكل (40%) من الميزانية. ومعنى ذلك أن الحكومة لا يمكنها تخفيض المصروفات لالتزامها بمشارع وعقود سابقة أو لأنها مصاريف حتمية كالرواتب وما في حكمها.
- صحيح أن المملكة تملك أكبر احتياطي في العالم من البترول، ولكنه لو حسب على أساس ما يخص الفرد لاتضح أن احتياطي المملكة أقل مما يخص الفرد في كل من دولة الإمارات والكويت وقطر. فبينما نصيب الفرد السعودي يساوي (9.972) برميل للفرد، نجد أن نصيب الفرد في الكويت (37.958) برميل للفرد، ونصيب الفرد في الإمارات (18.403) برميل للفرد. أما نصيب الفرد في قطر فيساوي (13.102) برميل.
- لقد تعرضت السعودية لهزات مالية عديدة منذ عام 1958م، وفي منتصف عام 2014 تعرضت للهزة الأخيرة نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار البترول، ونظراً لأنها لا تستطيع تخفيض مصروفاتها لتتماشى مع الدخل المتوقع المنخفض من البترول فقد لجأت إلى السحب من احتياطياتها كما سبق ذكره.
ولتجنب تلك الهزات المالية المتكررة تبنت الدراسة قاعدة مالية أساسها توزيع الدخل من البترول بين المصروفات في الميزانية وبين إنشاء صندوقين مستقلين أحدهما «صندوق الادخار» والآخر «صندوق الاستقرار المالي». ولا يعتبر إنشاء مثل هذه الصناديق السيادية شيئاً جديداً، فهناك أكثر من (15) دولة متبنية صناديق كهذه منذ وقت ليس بالقصير. وهناك الكثير من الكتب والمقالات والبحوث التي تبحث في هذا الموضوع.
سيتم استثمار المبالغ التي يتم إيداعها في «صندوق الادخار» بطريقة فيها مخاطر وعائد سنوي حقيقي يساوي (8%). وهذه النسبة تمثل متوسط هذا النوع من الاستثمار لسنوات طويلة.
أما المبالغ التي ستودع في «صندوق الاستقرار المالي» فسيتم استثمارها بأدوات استثمارية ثابتة الدخل وقليلة المخاطر، ويمكن تسييلها بسرعة كسندات الخزانة والتي عائدها (4%) سنوياً.
إن الغرض الأساسي من إنشاء هذين الصندوقين فصل الميزانية عن دخل البترول في المدى البعيد. وفيما لو تم فصل الميزانية عن دخل البترول فإن ذلك سيجنبنا الهزات والتقلبات في جانب المصروفات من الميزانية، والتي معظمها قد يكون غير قابل للتخفيض نتيجة الالتزام بمشارع وعقود طويلة الأجل.
سيتحقق فصل الميزانية عن دخل البترول بحيث يتم التخصيص للمصروفات كما يلي:-
- تحديد نسبة معينة من مصروفات العام الماضي ترصد للعام الذي يليه.
- تحديد نسبة معينة من حجم صندوق الاستقرار المالي حسب الحاجة.
- تحديد نسبة معينة من حجم الصندوق الادخاري تحدد حسب متوسط العائد الحقيقي السنوي من استثمارات الصندوق الادخاري.
إن حجم صندوق الاستقرار المالي سيتغير بحسب الهزات المالية الناتجة عن أسعار البترول وما يتبعها من دخل وسيزيد حجم الصندوق ويقل تبعاً لما يحدث من هزات في الدخل من البترول.
أما قيمة الصندوق الادخاري فتعتمد على ما يتم تخصيصه من الدخل السنوي لهذا الصندوق كنسبة ادخار، وبالطبع سيزيد حجم الصندوق الادخاري عندما تزيد النسبة المخصصة ويقل عندما تقل النسبة. وفيما إذا تم تخصيص هذه النسبة لسنوات طويلة سيأتي الوقت الذي يكون فيه العائد السنوي الحقيقي من استثمارات هذا الصندوق كبيراً جداً بحيث يكون كافياً لتمويل الميزانية، وبهذا يكون تمويل الميزانية مستقلاً عن دخل المملكة من البترول كما حدث في بعض الدول، ولهذا يمكن تسمية الصندوق الادخاري بصندوق «الأجيال القادمة»، لأن الغرض من تأسيسه تأجيل نسبة محددة من المصروفات سنوياً من الجيل الحالي إلى الجيل القادم.
ولتنفيذ هذه القاعدة المالية يفترض أن دخل البترول جميعه يودع في حساب صندوق الاستقرار المالي والذي بدوره يقوم بتحويل جزء من هذا الرصيد لوزارة المالية في الميزانية وفقاً لقاعدة صرف معينة ومحددة. ولتحقيق الفصل الكامل بين دخل البترول وبين الميزانية يتم تحديد النسبة على أساس مصروف العام السابق ويتم تحويلها من صندوق الاستقرار المالي إلى وزارة المالية.
كما أن الدراسة تفترض تحويل نسبة (20%) من دخل البترول السنوي للصندوق الادخاري.
- لقد استخدم الدكتور السويلم ومن شارك معه في الدراسة نماذج الاقتصاد الرياضي ومعادلات رياضية مختلفة قام بتطبيقها على نطاق واسع على السنوات من عام 2005 حتى عام 2014 لمعرفة ما حدث في الماضي من ضياع لفرصة ذهبية، كما قام بتطبيق الأسلوب نفسه والمعادلات الرياضية على ما يتوقعه في السنوات من عام 2015 - 2035م.
- وفيما يتعلق بنتائج الدراسة للفترة 2005 حتى 2014 قام بتخصيص (20%) من دخل البترول للصندوق الادخاري سنوياً، حيث توصل ومن شارك معه إلى نتيجة أنه لو اتبعت الحكومة سابقاً هذه السياسة فإن احتياطيات المملكة في نهاية هذه الفترة ستكون (1.865) تريليون وثمانمائة وخمسة وستين مليار دولار، بدلاً من (750) مليار دولار للفترة نفسها. وهذا يعني، كما يقول، وكما تثبته المعادلات الرياضية التطبيقية أن احتياطيات المملكة كانت ستزيد بمقدار أكثر من تريليون دولار للفترة نفسها.
- وبما أن هذه الفرصة الاستثمارية في الفترة (2005-2014م) أصبحت من حديث الماضي فإنه يرى أن الوقت ليس متأخراً وأنه يمكن تخصيص (20%) من الدخل السنوي للصندوق الادخاري سنوياً للفترة (2015-2035م)، وأنه لو تم ذلك فإنه خلال هذه الفترة قد تستطيع المملكة أن تبني احتياطيات عالية ذات دخل حقيقي مرتفع بنسبة 8% سنوياً تكون كافية لفصل الميزانية عن دخل البترول، حيث سيتم تمويل الميزانية من العائد الحقيقي لاستثمارات الصندوق الادخاري وصندوق الاستقرار المالي. ويؤكد بأنه بعملية الفصل هذه بين الميزانية ودخل البترول لن تتعرض المملكة لتلك الهزات التي عانينا منها في الماضي ونعاني منها حالياً وقد نعاني منها في المستقبل.
- ولكي يتم تنفيذ هذه الدراسة أوصي الدكتور السويلم بأن تقوم الجهات العليا في المملكة بإنشاء هذين الصندوقين (الصندوق الادخاري وصندوق الاستقرار المالي). وبالطبع هذا يتطلب إصدار مراسيم ملكية لإنشائها وإنشاء الأجهزة الحكومية التي ستشرف عليها وتديرها كما يلي:-
(1) مجلس أعلى: يكون أعضاؤه وزراء من لجنة الشئون السياسية والمالية ولجنة الشئون الاقتصادية والتنمية ويكون دوره كالتالي:-
- إصدار نظام الصندوق الادخاري ولوائحه.
- ضمان استقلالية الصندوق الادخاري.
- تعيين مجلس إدارة الصندوق والتأكد من كفاءتهم واستقلاليتهم.
(2) مجلس إدارة الصندوق:- يكون أعضاؤه من ذوي الاختصاص في مجال الاستثمار ويتم تعيينهم لمدة محددة قابلة للتجديد أو الاستبدال ولا يمنع من أن ينضم إليهم نخبة من الخبراء الأجانب في مجال الاستثمار.
ويكون دور مجلس إدارة الصندوق كما يلي:-
- إعداد السياسة الاستثمارية للصندوق الادخاري وصندوق الاستقرار المالي بحيث يتماشى مع تحقيق العائد السنوي الحقيقي المطلوب.
- تحديد الأصول التي سيتم استثمار مبالغ الصندوق فيها ونسبها ونسبة المخاطر التي قد تتعرض لها تلك الاستثمارات لضمان الحصول على العائد السنوي الحقيقي المطلوب.
- التأكد من أن هناك ضوابط وحوكمة، وذلك بتكوين جهاز مسئول عن الاستثمار وآخر مسئول عن التدقيق وآخر مسئول عن إدارة مخاطر الصندوق.
(3) جهاز استثمار تنفيذي:- ويتكون هذا الجهاز من رئيس تنفيذي ومدير عام للاستثمار ومدير عام لشئون العمليات ومجموعة من المختصين في مجال الاستثمار،
ويكون دور الجهاز التنفيذي الاستثماري كما يلي:-
- تنفيذ السياسات والإستراتيجيات التي يحددها مجلس الإدارة.
- القيام بتنفيذ العمليات الاستثمارية وتوزيعها بين الأصول المختلفة.
- العمل على تحقيق عائد حقيقي أعلى من العائد الذي حدده مجلس الإدارة.
- البحث عن أفضل مديري حقائب استثمارات خارجية يتوفر لديهم خبرة طويلة وأداء متميز لسنوات طويلة للتعامل معهم في استثمار أموال الصندوق.
أختم هذا التلخيص لمقال الدكتور السويلم الذي قمت بإعداده كما ذكرت سابقاً بتصرف لإضافتي وحذفي وتعديلي في بعض ما ورد به بتأييدي لما ورد في هذا البحث للأسباب التالية:-
1- هذا البحث ليس مجرد بحث نظري وإنما جرى تطبيقه على الوضع المالي في المملكة.
2- هدف هذا البحث فصل ميزانية الدولة عن دخل البترول، وهذا الهدف أمر مصيري لأن (90%) من إيرادات الميزانية في الوقت الحاضر من دخل البترول. إن عدم الفصل جعل المملكة تتعرض لهزات مالية عديدة عندما ينخفض الدخل من البترول.
3- ثبت من الدراسة في الفترة (2005-2014م) أنه لو تم إنشاء الصندوقين الادخاري وصندوق الاستقرار المالي في هذه الفترة لزادت احتياطياتنا من (750) مليار دولار إلى (1.865) تريليون وثمانمائة وخمسة وستين مليار دولار.
4- طرح الموضوع أمام لجنة الشئون السياسية والأمنية ولجنة الشئون الاقتصادية والتنمية لاتخاذ ما تراه مناسباً من تكوين أجهزة لتنفيذ الدراسة لتحقيق المطلوب.
وأحب أن أؤكد أن تأييدي للدكتور السويلم وزملائه في جامعة هارفارد قد لا يكون تأييداً مطلقاً، وخاصة أن ما تم سحبه من الاحتياطي هو إجراء استثنائي تطلبته مبايعة الملك سلمان وانتظار المواطنين لهدية منه في هذه المناسبة المهمة من تاريخ وطننا الغالي، وما زاد كان للصرف على حرب اليمن التي أجبرتنا الظروف القاهرة عليها.
كما نسمع أن حكومة المملكة تسعى جادة في ترشيد الإنفاق، والأمثلة كثيرة حيث أصبحت البعثات للخارج ليست مفتوحة كالسابق وإنما نقرأ في الصحف يومياً ما يتم توقيعه من اتفاقيات للابتعاث بين وزارة التعليم وأجهزة الدولة الأخرى وفقاً لبرنامج «وظيفتك وبعثتك»، كما أن الترشيد طال الملاعب الرياضية إذ تم اختصارها من (11) ملعباً إلى ملعبين فقط. كما أن هناك مشروعات عديدة أخرى قد تم تأجيلها أو تم تمديد مدة تنفيذ عقودها وتوزيعها على ميزانيات أعوام أطول.
كما أن اجتماع أوبك الذي اختتم أعماله يوم الجمعة 5 يونيو 2015م والذي من أهم قراراته محافظة أوبك على الإنتاج الحالي مستندة على توقعات ميل الأسعار للارتفاع هذا العام والسنوات القادمة يزيد من تفاؤلي للمستقبل حول نمو الطلب بمعدلات جيدة وسريعة، وهي مؤشرات مهمة على تعافي السوق واستعادة توازنها وبالتالي ارتفاع الدخل من البترول.
كما أن ما نشاهده من القرارات التي تتخذها كل من لجنة السياسة والأمن ولجنة الاقتصاد والتنمية إجراءات حاسمة وسريعة وبعيدة عن الروتين الممل، يجعلني أتوقع أن اللجنتين قد توجهان بدراسة إنشاء الصندوق الادخاري وصندوق الاستقرار المالي. وليس من المهم من سيقوم باستثمار أموال الصندوقين سواءً تم استحداث جهاز جديد للقيام بهذه المهمة كما هو معمول به في دول الكويت والإمارات وقطر، أم تستمر مؤسسة النقد في استثمار الاحتياطيات كما هو عليه الوضع الآن على أن تلتزم المؤسسة بإنشاء الصندوقين واضعة في الاعتبار عدم السحب من موجودات تلك الصناديق مهما كانت الظروف والاكتفاء بالسحب من عوائد هذه الصناديق فقط.
لا يفوتني في ختام هذا المقال أن أشيد بالدور الذي لعبته كل من وزارة المالية في تكوين الاحتياطيات ومؤسسة النقد في استثمارها بكل حرفية لتلك الاحتياطيات حتى وصلت إلى حجم بلغ (905) مليار دولار في أبريل 2015م وبعائد سنوي 9%، كما يحسب لتلك الجهتين دورهما في تسديد الدين العام حيث انخفض من (103%) في عام 2005م حتى وصل (1.6%) من حجم الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014م، زد على ذلك ما تم القيام به من تنفيذ الكم الهائل من مشروعات التنمية في جميع القطاعات مستفيدة من ارتفاع أسعار البترول وكمية الإنتاج، والقيادة الحكيمة للملك عبد الله - رحمه الله - وساعده الأيمن حين كان ولياً للعهد الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وإذ أنوه بما قام به الدكتور السويلم ومن أسهم معه من جامعة هارفارد من جهد كبير لا يفوتني أن أذكر أن هذه الدراسة الحيوية لم تكلف المملكة أي مبالغ، بل تم إعدادها دون مقابل، والله ولي التوفيق.