فهد بن جليد
قدِم (سيبويه) من أرض فارس ليتعلَّم الحديث على يد حماد بن سلمة، فقرّعه الأخير قائلاً (لا تلحن يا أعجمي)، فأقسم سيبويه أن يطلب علم النحو بدلاً من الحديث، حتى لا يلحن في العربية بعد ذلك، ولا يُشق له غُبار فيها!
وقد كان له ما أراد عندما لازم الخليل بن أحمد الفراهيدي وتوسّد ركبته، ورضع العربية منه وتشرّبها، حتى بات علَمها الأبرز, وإماماً لنُحاتها، فالقصة دليل كبير على مكانة (لغة الضاد) كمفتاح لكل العلوم، نعتز بها (كأمة عربية وإسلامية)، ونشرُف بأنّ قادتنا يتحدثون ويفتخرون بها في كل المحافل الدولية، فنحن العرب وهذه لغتنا (لغة القرآن)!
يعجبني كثيراً المسؤول الذي يتحدث العربية - رغم إجادته للإنجليزية بطلاقة - ولكنه يُمثِّل أمة لها تأريخ، وكل الأمم تعتز بتاريخها، ولا يخجل أبنائها من إظهار التزامهم بثقافة (أمتهم)؟!
يمكن أن نجد مُسوغاً، ومُبرراً لمسؤول يتحدث الإنجليزية في حفل يُقام في دولة (أجنبية)، بحكم أن (الإنجليزية) هي لغة الصحافة ومعظم الحضور، ولكن هل يُمكن أن يكون ذلك لطيفاً ومقبولاً عندما يكون الحفل في الرياض (عاصمة العرب)؟!
في الأسبوع الماضي حدث ذلك عند افتتاح فرع أكبر بنك تجاري حول العالم (البنك الصناعي والتجاري الصيني)، حيث أُلقيت كلمة مُمثل مؤسسة النقد العربي السعودي (بالإنجليزية)، ليعقبها كلمة ممثل الصين (بالعربية)!!
هل أردنا التمدّن والعصرية، فذّكرنا الصينيون بثقافتنا الأصلية؟!
(الإنجليزية) لغة المال والأعمال، ولغة التواصل العالمية، وإجادتها ضرورة في الحوارات والأحاديث الجانبية، لتعكس جانباً مُشرقاً عن قدرة مسؤولينا ومستواهم التعليمي والفكري والثقافي، أما في الكلمات الرسمية - ففي ظني - أن الأمر مُختلف، خصوصاً وأننا ملزمون بالحافظ على شخصيتنا وهويتنا العربية، نحن نجتهد في ترسيخ ذلك لأبنائنا من خلال كل تعاملاتنا (داخل المملكة)، بل إن العربية هي اللغة الرسمية والأولى التي ألزمت بها (الفنادق والمطاعم وكل الأماكن السياحية) في فواتيرها وتعاملتها، وتأتي الإنجليزية كالغة (رديفة) لمن لا يُجيد العربية أو يحتاجها!
(نائب رئيس سامبا) اجتهد ربما لأن البنك عالمي - ويشكر على اجتهاده - ولكن الإنجليزية في مثل هذه المحافل الداخلية ليست (عالمية)، فالعربية هي (الصعبة القوية) بدليل ما حدث مع (سيبويه) أعلاه!
وعلى دروب الخير نلتقي.