عبدالعزيز السماري
يبدو أن العلم الحديث على مقربة من الارتطام بأكبر قوة مالية في العالم، وهي اقتصاد منتجات حليب وألبان البقر، وقد يحتاج ذلك إلى بعض الوقت، لكن فصول المعركة قد بدأت بالفعل، بعد أن تم استخدام كأس حليب البقر كرمز للغذاء الصحي للترويج عن منتجاتها، مع أن بعض الدراسات العلمية الموثقة سواء على مستوى الجزئيات أو الدراسات التوضيحية بينت أن استمرار الإنسان في شرب حليب البقر في طفولته وشبابه وكهولته غير صحي، وقد تكون العامل الرئيس خلف أمراض العصر مثل السكر الضغط والسرطان.
وعلى ذلك يصبح عدم فطام الإنسان من شرب الحليب بعد سن العامين ظاهرة غير طبيعية، وقد تكون المحرّض على الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر مثل السمنة، وداء السكر بنوعيه، ومتلازمة الأيض والسرطان وأمراض الأعصاب والشيخوخة المبكرة، وأن جميع هذه الأمراض تتعلق باستمرار تفعيل وإثارة بروتين يُدعى [mTORC] بشكل ملحوظ، وهو ما يجعل من عمليات النمو الهرموني والطفرات الجينية في جسم الإنسان متسارعة.
ومن أجل توضيح الفكرة، وبعبارات موجزة، الحليب هو نظام المغذيات الوحيد والكافي من جميع الثدييات التي تسمح النمو ما بعد الولادة، وقد تم مؤخراً الاعتراف بأن الحليب ليست «غذاء فقط»، ولكن يمثل نظام إشارات متطورة تنشط بشكل كاف لدفع عجلة النمو بعد اكتماله بعد عامين من العمر، وأن السبب يعود إلى أن الحليب يحتوي على وفرة من سلسلة الأحماض الأمينية والجلوتامين، والتي تعتبر محرضات لتسارع النمو بشكل غير طبيعي..
لكن الأخطر أنه - أي حليب البقر - يحتوي على كميات عالية من حمض النووي الريبي (RNA) الخاص بالبقر، ويتورط في مختلف الأدوار البيولوجية في الترميز، وفي فك وتنظيم، والتعبير عن الجينات، ولهذا السبب يعتبر تغذية الطفل بحليب الأم لعامين فقط هو ما يصلح للإنسان، لأنه يعتبر أكثر من غذاء لإكمال النمو في خلايا وهرمونات الطفل، بينما يؤدي الاستمرار في تغذية الطفل والمراهق والبالغ بالحليب البقري إثارة غير صحية لاستمرار النمو في خلايا وهرمونات الإنسان، وبالتالي يكون عرضة لأمراض العصر والشيخوخة.
يشتكي الغالبية من الناس من عدم تحمل اللاكتوز أو حساسية اللاكتوز كما يطلق عليها، وأعراضها أن سكر اللاكتوز في الأمعاء الغليظة عندما يتحرك من غير هضم، يسبب عدم راحة تتمثل في انتفاخ وآلام البطن والغازات، وهي حالة شائعة بين البالغين. والجديد في الطرح العلمي أنها ليست حالة مرضية تتميز بعدم القدرة على هضم سكر اللاكتوز (أو سكر الحليب) الموجود في منتجات الألبان، ولكن تعتبر حالة صحية، وقد تعني رفض الجسم للحليب بعد اكتمال النمو، وتدل على عدم ملاءمته للإنسان.
أثبتت الدراسات الرصدية والمنشورة في المجالات العلمية الارتباط بين ارتفاع استهلاك منتجات الحليب بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستات، وكما أوضحت دراسات أخرى دوره في التسبب بمرض السكري من النوع الأول والثاني من خلال عملية تسمى المحاكاة الجزيئية، كما أوضحت بعض الإحصاءات أن المجتمعات التي تستهلك المزيد من منتجات الألبان لديهم معدلات أعلى من مرض التصلب المتعدد والسرطان، وتصلب الشرايين والشيخوخه والروماتيزم وهشاشة العظام وغيرها من أمراض العصر، ولن أطيل في سرد الدراسات التي توضح أن ثمة علاقة حقيقية بين الاستمرار في شرب حليب البقر بعد اكتمال النمو وبين أمراض العصر.
المجتمع السعودي قد يعتبر حالة مثالية لتصاعد ملحوظ لأمراض العصر خلال الثلاثين السنة الماضية، وقد شهدت السعودية خلال العقود الأربعة الماضية ارتفاعاً عالياً جداً في تناول منتجات حليب البقر، وخصوصاً بعد ثورة مزارع ومصانع منتجات حليب البقر. ويكاد أن يصبح حليب البقر هو الغذاء الرئيس عن الأطفال والبالغين في هذا العصر، وقد تنوعت منتجاته وتمت إضافة كثير من المحسنات الصناعية لتصبح أكثر لذة وإدماناً. وقد يفسر الاستهلاك الكبير والمتصاعد الزيادة المضطردة في أمراض العصر في المجتمع، مثل أمراض السكر والضغط والسرطان والتصلب المتعدد.
بعد هذه المقدمة التي تعبر عن حقائق عملية حديثة، هل يوافقني القارئ الكريم أنه من الأمانة على شركات إنتاج مشتقات حليب وألبان البقر أن تُكتب على علبة الحليب واللبن تحذيراً ينوه أنه ضار بصحة الإنسان، وقد يسبب أمراض السرطان والسكر والضغط، وذلك أسوة بعلبة السجائر، وقد يتحول ذلك إلى أكبر مقاضاة في التاريخ لدفع التعويضات المالية مثلما دفعتها شركات السجائر بعد أن أثبت العلم ضررة وإدمانه، واستمرار الشركات في بيع منتجاته بدون تحذير.
أم أن الأمر ما زال يحتاج إلى مزيد من الإيضاح العلمي لبدء أكبر عملية انهيار لشركات منتجات حليب البقر العالمية، والتي تقوم اقتصاديات بعض الدول على تصدير منتجاتها، وأخيراً ومن أجل توفير الغطاء الديني لهذا الطرح غير الجذاب للكثير، علينا أن نتفكر كثيراً في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، والآن هل حان وقت فطام المجتمع من شرب حليب وألبان البقر؟!..، والله على ما أقول شهيد.