د.ثريا العريض
في كل دول العالم حيثما هناك قيادة سوية تلتزم بمسؤوليتها في إبقاء الوطن في مسار آمن, يتطلع المواطن الطبيعي السوي المشاعر بثقة إلى قرارات القيادة العليا مترقباً أن يجد فيها ما يؤمن احتياجاته ويرضي طموحاته ويشعره بالأمان. والمواطن الفرد غالبا ينظر إليها من زاوية رغبات واحتياجات فردية. وقد تتفق رؤيته ومتطلباته مع مجموع كبير من المواطنين فتصبح متطلبات فئوية. ولكنها قلما تتعمق إلى احتواء كل جذور المواطنة العامة, وقلما تسمو إلى أفق الرؤية الوطنية لقيادة تطمح بالمساواة والعدل بين كل الفئات, وتضع مصلحة الوطن ككل فوق مصلحة الأفراد والتحزبات.
تناولت معكم سابقاً الحوار حول وتيرة دولاب المسيرة التنموية والإصلاحية والقيادية من حيث البطء والسرعة, وضرورة توازن التوقيت زمنيا مع ضرورات المرحلة مكانياً. وأتأمل بتجرد علمي التعليقات التي يأتي بعضها موجها ليس لدوري كمواطنة أو كمتخصصة، بل لكوني عضواً في الشورى ينالني ما يناله من التشكيك في قيمة ما ينجز. وأحياناً تعليقات شاطحة تتساءل عن قيمة الأنثى في مجلس الشورى. أو تثير موضوع تمثيل الأعضاء للمجتمع وتطالب بأن يكون بالانتخاب.
أما قيمة قدرة الأنثى ودورها فهو أمر حسمته القيادة العليا حين عينت 30 سيدة يمثلن 20% من الأعضاء الـ150 وبعضوية كاملة المسؤوليات. وأما عن تمثيل المجتمع فأشهد أن أعضاء المجلس يمثلون تنوع مشارب واهتمامات وتوجهات المجتمع الكبير بصورة واضحة. ولا يغيب عن هذا التنوع إلا فئة الموتورين. وهذا غياب مشكور, فالمجلس موجود بقصد التدقيق الواعي بصورة شمولية سوية القصد دون تحيز سلبي الأهداف. والمجلس مكلف بتقديم المشورة الصالحة حول الأمور التي تهم القيادة وأهمها استقرار أمور البلاد, والتأكد من قيام المؤسسات بتقديم الخدمات التي يحتاجها المواطن, واستدامة الأمن والأمان ودفء الانتماء.
وأما الانتخاب كمرادف أو بديل للتعيين بالانتقاء الفردي، فهو قرار تتخذه القيادة مرتبطاً بتقديرها لصحة التوقيت, وتناسبه مع توقع النجاح. الانتخاب حل رائع في الأوضاع المثالية يضمن فعلاً مشاركة المجموع في اتخاذ القرار. ولكن الأوضاع المثالية قلما تتحقق، وقد تابعت شخصياً على مدى عقود نتائج الانتخابات في دول الجوار القريب والبعيد فوجدت أن نتائجه تأتي ملوثة بقابلية التأثر بجاذبية الشعبوية الفئوية, وشراء الأصوات مادياً ومعنوياً وبدوافع انتماءات صغرى لاتخدم الانتماء العام لمصلحة الوطن. هذا عدا أن مدى وضوح الوعي العام بما هي مسؤولية الترشح والانتخاب تترك مجالاً كبيراً لخذلان المصلحين والأكفاء, في حين يصب وضع الوعي العام عادة في مصلحة الانجذاب إلى وجاهة الأشخاص والعلاقات البينية، فيأتي التركيز مع الأسف على نجومية الصاخبين والمدفوعين بمصالح ذاتية وفئوية تتسامح مع التحيز الفئوي بل وحتى مع التطرف والإقصائية في اتخاذ القرار لاحقاً.
بودي أن أرى التعليم العام يعد النشء لثقافة الانتخاب بمعيار قدرة تمييز الأكفأ فعلياً لحمل مسؤولية القرار والتنفيذ.
وقد يستغرق الأمر وقتا للإعداد.. ولكن تزامن مجلسين, منتخب ومعين حل مجرب في دول الجوار الحميم بمجلس التعاون وفي الدول المتقدمة وهو حل ممكن قد يكون الأنسب بعد استقرار الأمور والانتهاء من انشغال القيادة بعاصفة الحزم إلى مرحلة الأمل والبناء.
وفق الله هذا الوطن وأبناءه إلى تحقيق كل الطموحات الإيجابية.