د.ثريا العريض
ما يحدث على أرض الوطن يستحق التأمل بتعمُّق، وتناول القرارات في أُطرها الزمنية والمكانية المتعددة.
فقد اعتدنا أن التطوير هو مطلب من مطالب القيادة منذ بدء التأسيس, ولكن يُصاحب ذلك تخوف المجتمع العام من التغيير المقصود في القرارات الرائدة, ما ينتهي بتعايش مرونة الريادة مع تلكؤ التطبيق العام, وأن تتجذَّر القرارات حدّ التّحجر، حيث تحدي التغيير يُواجه بكثير من الحرص والحذر من صانع القرار، وبكثير من التخوف من العموم.
كذلك اعتدنا كمجتمع أبوي الأعراف السائدة في مجتمعات الأبوية، ومنها الصمت أمام أي قرار أبوي, فلم نعتد التعبير الصريح الذي إن حدث, فقد اقتصر على همس حميم لا يدور إلا في المجالس الخاصة.
ولكن مساحة التعبير بعد تغير وسائل التواصل وتقنياتها، اتسعت إلى الانفتاح الفورى سلباً وإيجاباً؛ فعبر اليوتيوب والهواتف القادرة على التسجيل المرئي والصوتي صار بالإمكان رؤية ما حدث كما حدث والتفاعل معه سواء كان ما ينشر صحيحاً أو مختلقاً.. وفي تويتر مثلاً صار بالإمكان أن يتفاعل الفرد مع الأحداث عفوياً دون التوقف عند محطات التعبير المصقول مسبقاً.
خلال الثلاثة شهور الماضية توالت القرارات التنظيمية غير المتوقعة.. وكانت ردة الفعل خارج نطاق الإعلام الرسمي تعبّر عن الكثير من التوجس.. وليس هذا غريباً فقد جاءت التغييرات مفاجِئة بسرعتها في مجتمع اعتاد الحرص المضاعف في اتخاذ قرارات التصحيح والتلكؤ كثيراً في محطات التنفيذ.
التفسير العلمي أن هناك في تجربة التعامل البشري نوعين من التوجه في اتخاذ القرار وتنفيذه؛ التوجه الأول هو الاكتفاء باتخاذ القرار, ثم لا يهم إن حقق هدفه المعلن.. والتوجه الثاني هو التمسك بالهدف الأخير، وإذا لم يحقق القرار التنفيذي هدفه فلا بد من تغييره واتخاذ قرار مسار جديد.
وكمثال توضيحي مبسط: قد تقرر أنك في حاجة لشراء احتياجات المنزل وتقرر أن ترسل من يشتريها من الدكان المعتاد.. ولكنه حين يصل إلى تقاطع الطريق يجد أن حادثاً يسد الشارع ويسد السير، فيعود إليك ليعلن أنه لم يستطع تنفيذ مطلبك لأن الطريق إلى الموقع مسدود.. الوضع الآخر أن من تحُمِّله مسؤولية تنفيذ طلبك حين يجد الطريق إلى الموقع متعذر الوصول يختار طريقاً آخر، أو يبحث عن موقع آخر يشتري منه, حتى لو اضطر إلى السؤال؛ فالهدف هو تنفيذ عملية الحصول على ما تحتاج شراءه في قائمة الأشياء, وليس الهدف محاولة الشراء من الموقع المعتاد فقط.
هكذا بدأنا أخيراً نرى سرعة البت في الأمور بصورة حازمة، وسرعة البت في التعديل بصورة حاسمة.. وفي المجالس الخاصة كما في صفحات التواصل الاجتماعي يدور الحوار حول هذا التغيير في الأسلوب دون إجماع على تقييمه سلباً أو إيجاباً.. وبين من يتساءل عن عقلانية التغيير السريع، لأننا اعتدنا أن تنام الدراسات في أدراج اللجان, ومن يصفق لأن بعض المناصب التي شغلت لعقود بنفس الوجوه والعقليات والأسلوب, فتحت لتعيينات شبابية, يبقى أن القرار يأتي ليحقق هدفاً.. وهذا الهدف لا يتحقق إلا بالتأكد أن الإدارة التنفيذية والمجموع العام يلتزمان بتحقيقه.
من هنا جاءت التغييرات في الإدارات, والتغييرات اللاحقة بتغيير بعضها لتنسيق الأداء العام.. والتعجيل أحد خطوات تسريع التغيير والتعديل.
المسألة ليست محصورة في التعيينات, بل في الرغبة الواضحة في الحركة بوتيرة سريعة.. وفي جرأة تجربة القرار والثقة أن الهدف لن يفشل, تغيرت مواصفات الأداء.. الدولاب البطيء لم يعد صالحاً للمرحلة الزمنية التي نعيشها.. ولا بد من الاستعداد بالبديل إن بدا أن القرار الأول لم يحقق النتيجة التي تسعى للوصول إلى هدف شمولي في نسق أوسع.
دعائي لصانع القرار بالنجاح في تحقيق الهدف بأسرع ما يُمكن.
وسأعود لتحليل المستجدات في حوارات قادمة.