فهد الحوشاني
فهد الحوشاني
مع تعالي موجة الإرهاب في هذه الأيام عدت إلى قراءة كتاب لعله من أهم الكتب التي جعلت الإرهاب موضوعاً لها، وقد صدر منذ الخمسينيات القرن الماضي لمؤلفه (إيريك هوفر)، وترجمه الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - ليكون من أهم الإضافات إلى المكتبة العربية في هذا التخصص. ويقول الدكتور القصيبي عن مبرر ترجمته لهذا الكتاب: «لقد أجاب عن سؤال كان يشغله منذ أن بدأت ظاهرة الإرهاب، هو كيف يصبح الإرهابي إرهابياً؟». فهو يرى - رحمه الله - أنه «يوجد الكثير من الكتب والنظريات حول الإرهاب وتنظيماته وقادته وأساليبه وأدبياته وتمويله إلا أنه لا توجد كتابات تضيء عقل الإرهابي من الداخل، وتتيح لنا فرصة التعرف على هذا العالم العجيب المخيف».
وفي هذا الكتاب يحيل المؤلف كيفية تشكل الإرهابي، فيحيل السبب الرئيس إلى العقل المحبط؛ فالإنسان المحبط يرى عيباً في كل ما حوله، وينسب كل مشكلاته إلى فساد عالمه المحيط به. وهنا يجيء دور الجماعة الثورية الراديكالية التي تستغل ما ينوء به المحبط من مرارة وكراهية؛ فتسمعه ما يشتهي أن يسمع، وتتعاطف مع ظلاماته، وتقوده إلى الكيان الجديد الذي طالما حن إلى الانصهار إليه. ومن هذا اللقاء بين عقلية الفرد المحبط وعقلية القائد الإجرامي ينشأ التطرف، ومن التطرف ينبت الإرهاب.
والكتاب مليء بالشواهد التاريخية من المتطرفين في المسيحية والإسلام، وحتى من الحركات السياسية.
ويرى مؤلف الكتاب أن الحركات الجماهيرية تولد في نفوس أتباعها الاستعداد للموت والانحياز إلى العمل الجماعي، وجميعها بغض النظر عن المذهب أو البرنامج تولد التطرف والحماسة والأمل المتقد والكراهية وعدم التسامح. ويرى المؤلف أن جميع الحركات على اختلافاتها، وعلى الرغم من أن هناك اختلافاً بين المسيحي والمسلم والشيوعي والقومي والنازي المتطرف، إلا أنه يبقى صحيحاً أن التطرف الذي حرك هؤلاء ذو طبيعة واحدة؛ فهم يسعون للسيطرة على العالم، ولدى أعضائها استعداد للتضحية بالنفس.. و(المؤمن الصادق) كما يسميه الكتاب هو الرجل صاحب الإيمان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل قضيته المقدسة يقدم فرضية تفيد بأن المحبطين يشكلون غالبية الأتباع الجدد في كل الحركات الجماهيرية.
يقع الكتاب في (242) صفحة من القطع المتوسط، وهو مقسم إلى أقسام وفصول (ثمانية عشر فصلاً)، منها جاذبية الحركات الجماهيرية، والرغبة في التغيير، والرغبة في بدائل الأتباع المتوقعين والمنبوذين في الشؤون الإنسانية، ثم الفقراء وأنواعهم، والعاجزون عن التأقلم والأنانيون أنانية مفرطة والطموحون الذين لا يجدون فرصاً، وكذلك الأقليات، وقسم خاص عن مرتكبي المعاصي وحاجتهم إلى التوبة والتطهر.
الدكتور القصيبي يأمل من نشر هذا الكتاب أن يكون بداية لعملين لا بد منهما: الأول أن يقوم الباحثون الذين يجب أن يعرضوا ما وصل إليه المؤلف على واقع الإرهاب المعاصر، ويتركوا للدراسات والبحوث أن تصدق أو تكذب تحليل المؤلف، وهو يرى أنها (سوف تصدقه). الأمر الثاني، الذي يرى الدكتور غازي أنه مهم جداً، يقع على عاتق الدول العربية التي يجب أن تمتلئ بالفرص، وتزدهر بالأنشطة، وتبوح بمؤسسات المجتمع المدني النشطة، على نحو يقضي على إحباط الشباب أو على جزء كبير منه. والقصيبي يرى أنه بزوال الإحباط يزول التطرف، ومعنى ذلك أنه قد ذهب في اتجاه المؤلف نفسه، ويرى - حسب رأيه - أن ذلك هو الأسلوب الوحيد الناجع لمشكلة تقض مضاجع العالم أجمع.