سامى اليوسف
مصطلح « المباراة مبيوعة» أخذ في الانتشار مؤخراً في مجتمعنا الرياضي المحلي، وبصوت مسموع، وهو يعني أن أحد طرفي المباراة تخاذل، أو تساهل، أو تلاعب ليقدم نتيجة المباراة على طبق من الخيانة للطرف الآخر.
هذا التلاعب إن وجد فهو مؤشر على الفساد في كرة القدم، ويمثل ظاهرة تعاني منها ملاعب ودوريات كرة القدم في أرجاء الأرض المغمورة منها، والمشهورة، وتسعى المنظمات والاتحادات الرياضية بجدية للقضاء عليها، والتعامل معها كنوع من أنواع الجريمة التي تجب مكافحتها، وإيقاع أشد العقوبات على أطرافها والمتورطين فيها، وتقديمهم للعدالة.
لم يعد سراً الحديث عن التلاعب في الدوري السعودي منذ أن تم تهبيط فريق الوحدة بقرار مبني على الشكوك والظنون، ثم حادثة اتهام حارس نجران بالرشوة، وعقبها لاعب الحزم واليوم نتحدث عن قضية لم يكشف اتحاد الكرة غموضها فيما يسمى بـ» قضية رشوة القادسية «. واليوم، وغداً يستمر الحديث من قبل البعض في تويتر وبعض البرامج الرياضية عن اتهام أندية بـ»بيع» مباراياتها مما دفع أحد ممن تعرض لهذا الموقف إلى القول:» حسبي الله ونعم الوكيل على من اتهمنا في أمانتنا».
أسباب
لماذا انتشر هذا المصطلح؟. في رأيي أن انتشاره، ودخول الحديث عنه حد المجاهرة مرده إلى أسباب رئيسة منها:
- ضعف الإيمان، والوازع الديني لدى البعض -هداه الله- فيذهب إلى تخوين فئة أو فريق بعينه دون التثبت.
- التعصب ، وهو أبو الأمراض، في أي مجتمع، فيكون الهوى هو الدليل والقاضي والجلاد.
- الجهل أو ضعف الثقافة الرياضية، وعدم الإلمام في الأمور الفنية
- تساهل الجهات المختصة في فرض الرقابة أو المحاسبة لمثيري الفتنة ممن يحترفون بث الإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، والذين يروجون ويضللون الرأي العام بأراجيف وأكاذيب افتراءً وتخويناً للأبرياء.
- عدم البت أو التعامل بشفافية مع قضايا الاتهامات بالتلاعب والرشاوى من الجهات الرياضية المختصة - كما حدث في واقعتي حارس نحران والقادسية- يعزز لفرص تأكيد الشائعات وتصديقها من ضعاف النفوس والمجتمع الرياضي.
- عدم وجود محكمة رياضية، أو سن قوانين ، وفرض عقوبات للمتلاعبين ، أو الذين يتهمون بلا أدلة وقرائن الأبرياء يشجع ضعاف النفوس والمتعصبين على تكرار وإشاعة هذه الاتهامات ، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
- ضعف الرقابة على المباريات، وآليات هذه الرقابة، وعدم قيام اللجان المعنية في المرجعيات الرياضية بواجباتها على الوجه الأكمل يجعل من تفشي هذه الظاهرة أمراً متوقعاً بل ويعزز لها.
- عدم توفر قسم أو مركز للدراسات والبحوث يهتم بمثل هذه القضايا ، ويرصد لها الدراسات والتوصيات والحلول المقترحة المبنية على أرقام وتحليلات حقيقية.
حـلول
ولأن استعراض المشكلة هو أول الخطوات في طريق الحلول، فإن تقديم المقترحات اللازمة يسهم كذلك في رسم تصور حقيقي للحلول المقترحة، والنقد البناء في رأيي يستند على استعراض المشكلة، وأسبابها، ثم اقتراح توصيات وحلول .. وفي هذا السياق اقترح الحلول التالية:
- على المرجعية الرياضية أن تتخذ إجراءات جدية، وتخطو بتسارع في مجال مكافحة هذه الجريمة، ولعل قرار إنشاء المحكمة الرياضية من ضمن الحلول المهمة.
- الوقاية خير من العلاج، ولذلك يجب البدء في عملية التوعية أولاً لمنسوبي الأندية واللجان ذات العلاقة بمخاطر التلاعب في المباريات من خلال عقد الندوات، والمؤتمرات، وورش العمل في مختلف مناطق المملكة، ودعوة رجال الصحافة والإعلام والمختصين للمشاركة فيها.
- التدقيق في ملفات رؤساء الأندية المترشحين عبر الجمعيات العمومية، فبعض الأسماء تكون وبالاً على رياضتنا من خلال تحويله للنادي الذي يترأسه إلى فرع لنادٍ جماهيري كبير بتصرفاته وتصريحاته غير المسؤولة دون مراعاة للأمانة ومصالح المنطقة وشبابها التي يقع فيها هذا النادي ، والأمثلة عديدة.
- الضرب بيد من حديد على المتلاعبين، والمتورطين بعد سن القوانين التي تنظم المحاسبة والعقوبات المستحقة في هذا الإطار.
- فتح آفاق التعاون من مبدأ الشراكة مع الجهات الحكومية ذات العلاقة لقطع دابر مثل هذه الظاهرة، والقضاء عليها قبل أن تستشري
- الاستفادة من خبرات الاتحادات والمنظمات الدولية كالفيفا، والاتحادات الآسيوية، والأوروبية التي قطعت شوطاً كبيراً في كشف هذا التلاعب، وسنت له التشريعات، والقوانين اللازمة للقضاء عليه
- تفعيل، وتدريب، وتطوير مهارات وآليات الرقابة للجان النزاهة وأعضائها، ومراقبة المباريات لجميع الدرجات والفئات للتصدي بمهارة لمثل هذه الظاهرة
- التعامل بشفافية مع هذه القضايا، أو الاتهامات التي تنتشر لاطلاع الرأي العام ، والسلطة الرابعة الممثلة بالصحافة عليها دون تكميم للأفواه، أو تعطيل وتأخير لإجراءات التحقيقات، وإعلان النتائج.
- اعتماد « ميثاق الشرف « أو « شرف المنافسة « أو « ميثاق الأخلاق « الذي يسهم بمحاصرة الفساد والمفسدين في رياضتنا ممن يعمل في الحقل الرياضي بما يؤسس ويدعم قواعد النزاهة، والأخلاق، واللعب النظيف .. وهنا يبرز عامل الاستفادة من تجارب الغير الذين سبقونا ، وبمراحل في هذا الجانب.
- التصدي بحزم لمروجي الإشاعات الكاذبة، والاتهامات الباطلة سواء كان ذلك المروج ، أو المتهم إدارياً، أو لاعباً، أو إعلامياً، أو حتى مشجعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتواصل بهذا الصدد مع الجهات الرسمية المعنية لكشف هوية الحسابات الوهمية التي تروج لمثل هذه الإشاعات، وتتهم الأبرياء دون وجه حق
- التأكيد على إدارات الأندية بأن ما يتم تداوله أو التغريد به عبر « تويتر « على سبيل المثال من قبل حسابات الإداريين واللاعبين أو المشجعين سيكون عرضة للمراجعة والمساءلة إن لزم الأمر أسوة بالاتحادات الرياضية المتحضرة والمتقدمة كروياً.
- إنشاء مراكز للبحوث والدراسات، وتفعيلها مادياً وخبراتياً لتوفير الإحصاءات والدراسات التحليلية اللازمة التي ترصد المشكلات، وتضع الحلول أو التوصيات للحد من مثل هذه الظواهر السلبية.
أخيراً .. إن مواجهة المشكلة، وتحديد معالمها، ومعرفة تفاصيلها هي أولى خطوات الحل، والتطوير، ولأن نفيها، أو تجاهلها أشبه بمن يهرب للأمام ويغذي الوحش الصغير ليكبر وحينها يصعب القضاء عليه .. والاعلام النزيه هو دائماً من يحذر، ويدق ناقوس الخطر.
تغريدة الأسبوع
هي للمؤرخ الرياضي، والإعلامي المخضرم صالح الهويريني الذي كتب يقول: «اثنان لن يتطورا .. التحكيم ، والقناة الرياضية» « .. تغريدة في الصميم، فقد جسدت واقعا أليما .