د. عبدالرحمن الشلاش
قبل أن يتم القبض بحمد الله وفضله على الإرهابي نواف شريف العنزي فجر أول أمس الثلاثاء بأحد المخيمات في محافظة رماح بمنطقة الرياض، كانت وزارة الداخلية قد أعلنت عن ثمرات جهودها الأمنية المباركة بالقبض خلال الستة أشهر الماضية على 634 إرهابياً سعودياً استهدفوا أمن البلاد. جاء هذا الإعلان في المؤتمر الصحفي الذي كشف النقاب فيه عن القبض على القاتل يزيد أبو نيان.
هذا العدد أعتبره كبيراً جداً، وهؤلاء مواطنون سعوديون ولدوا ونشأوا داخل المملكة. لم يتربوا خارج البلاد ولم يهبطوا علينا من السماء ولم يخرجوا من باطن الأرض. كل واحد تربى داخل أسرته ومنها خرج للحياة العملية والاتصال بالناس متأثراً بما تربى عليه وما تشرَّبه داخل أسرته. إن أحسنت الأسرة التنشئة والرعاية تخرَّج الأبناء مواطنين صالحين مدركين لمسئولياتهم مستوعبين لأدوارهم الحقيقية في البناء والتنمية والإعمار والإصلاح والمحافظة على المقدرات، وإن أساءت الأسرة التربية خرجت أجيالاً غير صالحة وعُرضة للانحراف عند تسليط أي مؤثرات عليهم قد تأخذهم إلى عوالم الجريمة والإرهاب والفساد والضياع.
صحيح أن هناك مؤسسات داخل المجتمع لها دور، لكني مصرٌ على أن المعوّل على دور الأسرة أكبر من أي أدوار أخرى مهما بلغت. عند القبض على أي خلية إرهابية يُسرِّب البعض مبررات لتبرئة الأسر من تقصيرها في حق أبنائها، كأن يُقال إن ما حدث كان بسبب البطالة والفراغ وتقصير الأجهزة الحكومية، وما نتج عنها من حالات إحباط. ربما هناك حالات قصور لكن لا يُمكن بأي حال القبول باستبعاد الأسرة من ساحة المسئولية الجسيمة، ولعل في حالة الإرهابييْن يزيد أبو نيان ونواف العنزي أبلغ رد على محاولات التملُّص من المسئولية، فالأول كان طالباً مبتعثاً على حساب الدولة إلى أمريكا تصرف على تعليمه ومعيشته، إلا أنه انحرف في البداية سلوكياً قبل أن ينحرف فكرياً حيث أوقف في حالات سكر وعربدة وتدخين في مكان ممنوع داخل طائرة وقيادة السيارة بتهور وقد وجّه له في حينها 14 تهمة جنائية، ثم انحرف بعدها فكرياً بعد أن عاد إلى المملكة، حيث جنّد في داعش عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وطلب منه التنظيم الإرهابي الجهاد داخل المملكة، أما الثاني فكان موظفاً عسكرياً سخط عليه والده نتيجة أفعاله، فطرده من المنزل جنّد نفسه لخدمة شياطين داعش وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية بقتل الأبرياء. الأول ابتعثته الدولة، والثاني وظّفته وهو ما يدحض فرية البطالة والفراغ. أين أسرهم عنهم؟ أين المتابعة؟ وأين التوجيه والاهتمام؟.. كل هذه التحولات تحدث دون أن تُحرّك فيهم شيئاً وتجذب انتباههم!.
تحوّل دور بعض الأسر في تربية الأبناء لتأمين الأكل والشرب والملابس والهدايا، دون أن تسعى للحفاظ عليهم وإبعادهم من الأخطار.. للأسف هناك أسر مهملة وأخرى تشجع أبناءها على الانضمام للجماعات الإرهابية، وأسر متشددة تنفر الأبناء.. رغم أن غالبية الأسر السعودية تتسم بالاعتدال إلا أن من تشذ منها تكون إما بسبب التفكك الأسري أو الجهل وقلة الوعي.
حان الوقت ليلتفت للأسرة وتستهدف بالتوعية والتوجيه ضمن برامج محكمة الإعداد والتنفيذ فهي الأساس، ودون تقوية دور الأسرة سيظل أثر أي جهود أخرى ضعيفاً، ولنا عبرة بتجارب طويلة جداً لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه.