د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في سن يفاعِه أوصاه والدُه بقراءة كتابين مهمين قدّم تمهيدًا حول صعوبتهما على ناشئٍ في مثل سنِّه، ولم يتردد ؛فقد تصفحهما في مكتبة المنزل ووجدهما عصيَّين على فهمه لكنه لم يهجرهما بل أضاف إليهما ثالثًا وجده لمؤلفِّهما فابتاعه في وقتٍ لاحق.
** الكتابان هما: (اقتصادُنا) و(فلسفتُنا)، أما الثالث فهو: (الأسسُ المنطقيةُ للاستقراء) وجميعُها للعلامة الراحل محمد باقر الصدر1935-1980 م رحمه الله.
** استعاد هذه الحكايةَ ووجد فيها مدخلًا لإجابة استفهامٍ يترددُ حول: المستفيدِ من بعث الطائفية السنية الشيعية في العقود الثلاثة القريبة مع معرفتِنا بتجذر الخلاف العَقَدي منذ قرون، ولكن إذا كنا في قلب الجزيرة العربية نقتني كتبَ مرجعٍ شيعيٍ بارزٍ يًعزى إليه تأسيسُ حزب الدعوةِ وندلُّ عليه ونحث أولادنا على تأمل مؤلفاته هجيرانا الحقيقةُ لا المذهب ودافعُنا التميزُ لا التحيز؛ فهل يمكن وصمُنا بالطائفية بل هل يجوز الحديثُ عن «التشدد» المؤطرِ بنا والمحصور» ظلمًا « فينا؟
** الاستفهامُ مُشرعٌ ومشروعٌ ولكلٍ الحقُّ في إجابته وَفق اقتناعاته، وسبق لصاحبكم أن أشار - في كتابه: (وفق التوقيت العربي - سيرة جيلٍ لم يأتلف )- إلى اختيارنا سّكنى القطيف خلال رحلات المركز الصيفي دون حساسيةٍ أو تحذير،كما كتب مقالةً عن المواءمة بين (القصيم والقطيف) - بسمتيهما الرمزيتين -إبَّان عقد مهرجان عنيزة الثقافي الأول حين استضاف المنظِّمون معممًا شيعيًّا، ولم تسلم المناسبة من الغبار؛ فكانت التجربة يتيمةً على المستوى الرسمي وإن امتدت في المسار الشعبي؛ فما الذي تبدل؟
** أيقظت ثورة الخميني» الفارسيةُ 1979م» طائفية مختلطةً بأوهام تصدير الثورة تبعًا لمعاييرَ دينيةٍ - سياسية، واتفقت مع مخرجات «السلفيَّة الجهادية 1980م» فامتزج ملالي طهران بمتعصبي المذاهبِ، وتماهت النطاقاتُ المكانية والذهنية الدائرة في مساراتها، وأسفنا على مثقفين انحازوا إلى دائرة المذهب، وتسيدت المواقف المتميّعة والمتجاهلة والمحايدةِ حين احتاج الوطن، وتغلب الانتماءُ للوليِّ والحزبِ والنظريات الكهنوتية ؛ فصمت بعضٌ والتفت غيرهم إلى مناحٍ هامشيةٍ ورؤىً توسطيةٍ لا مكان لها في زمن التحرر من النفوذ الفارسي والأدلجة المنكفئة.
** لعل الوقت مواتٍ لمحاولة الانعتاقِ من المدار الطائفي بين العامةِ من أبناء الوطن الذين لم يرهنوا ولاءَهم لخمينيٍّ أو قاعدي بعدما تبين المنتمون والمرتمون ولم تعد اللعبة غامضةً ولا اللاعبون مجهولين، ومثلما تمتلئ بيوت أهل السنة بأسماء «علي وفاطمة وحسن وحسين» فإن في أهلنا الشيعة من لم يتحرج من التسمية بعُمر كما صنع حسن العلوي أبوةً وتأليفا؛ فلم لا يُكثَّفُ هذا التقارب؟
** هنا دائرة تتخطى الشكليات إلى الإشكالات التي لو اجتزناها لجسَّرنا مسافات، ولردمنا مستنقعاتٍ لا تعنيها الشراكةُ في الوطن الممتد من النفود إلى الأخدود ومن الماء حتى الماء، ويبقى لكلٍ اجتهادُه؛ فعليه الوزرُ إن صبا وله الأجرُ إن أصاب.
** الوطنُ ظل.