هاني سالم مسهور
العويل الذي يملأ ويتردد صداه في العاصمة الإيرانية طهران والقادم مرتفعاً من بيروت وغيرها من العواصم والمدن التي تتلقى من الرياض ضربات موجعة بدأت منذ 26 مارس 2014م في عملية «عاصفة الحزم» إلى حين توقفها والتي كانت عملاً يتجاوز اليمن في تحرك سعودي يعيد التوازن السياسي في عموم الشرق الأوسط والعالم، وهذا جزء من أجزاء العمل الإستراتيجي والذي بالتأكيد له تبعات متوالية على مختلف الأصعدة.
يمكن الآن القراءة بوضوح وبصوت مرتفع فيما كان مستتراً، فعندما تحركت الرياض استجابة لطلب الشرعية اليمنية بالتدخل فيما يضمن سلامة اليمن، كانت الرياض أيضاً تدرك أن عليها القيام بما يستوجب حماية الأمن القومي العربي، وحماية المنظومة السياسية لكل دول مجلس التعاون الخليجية والتي لا يمكن لها أن تعتبر اليمن سوى جزء لا يتجزأ من أمنها الوطني، وهو ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في عدة مناسبات.
لكن لماذا يصرخ حسن نصر الله كل هذا الصراخ ؟؟، ولماذا استفز وكلاء إيران كل هذا الاستفزاز ؟؟، إننا اليوم وبعد ما يقارب الشهر من «عاصفة الحزم قبل توقفها» نجد الإجابة عندما نسترد القراءة في المشروع الإيراني الناشئ منذ العام 1979م والذي وضع من ضمن أهدافه الاستراتيجية (تصدير الثورة)، والغاية والمقصد هو التوسع السياسي وفق ما يضمره الإيرانيين تجاه إمبراطوريتهم الفارسية التي أسقطها العرب بدخول الإسلام إلى بلاد فارس.
المشروع الإيراني بحجمه الضخم والكبير عمل وعلى مدار عقود تجاوزت الثلاث على بناء مخطط (الهلال الشيعي) والذي وجد الفرصة المواتية مع احتلال الولايات المتحدة للعراق في 2003م، ونجح فعلياً في تشكيل الإطار السياسي من عدة عواصم هي بغداد ودمشق وبيروت، وكادت أن تسقط القاهرة بين الأنياب الإيرانية لولا أن ما حدث في 30 يونيو 2013م والموقف السعودي كان حاسماً في إطار الصراع الإقليمي.
كان على إيران وهي التي تنازع العالم على مشروعها النووي منذ العام 1998م أن تحصل على ما هو أبعد من القاهرة، وهي مدينة عدن لأن هذه المدينة هي التي تتحكم على مضيق باب المندب، وإذا كانت إيران تمسك بمضيق هرمز في الخليج العربي والذي لطالما هددت بتعطيل الملاحة فيه فهي حاولت الحصول على كل الكروت لموقعة (لوزان) النووية والتي عصفت بها « عاصفة الحزم « وأسقطتها بل وركعت الإيرانيين أمام العالم كله.
وفيما كانت تواصل « عاصفة الحزم « إنجاز مهامها العسكرية في اليمن، تتسرب على وسائل الإعلام العالمية صيغة الاتفاق الإيراني في لوزان ليكتشف العالم مدى الكذب الذي تقدمه إيران لشعبها، فهي لم تحصل من الاتفاق النووي على شيء إطلاقاً بل إن العقوبات لن ترفع، بل إن الأسوأ من ذلك كله هو أن البيت الأبيض أكد أن الرئيس الأمريكي سيلتقي بالقادة الخليجيين في منتصف مايو القادم مما يؤكد أن الموعد القادم لإيران في ثلاثين يونيو لإنهاء الاتفاق النووي هو مرتبط كلياً بنتائج «عاصفة الحزم».
أذن نتفهم الآن لماذا يصرخ حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، ونتفهم أيضاً أن كل الصراخ والشتائم هي السلاح الأوحد الذي حصلت عليه طهران بدلاً من حصولها على السلاح النووي وفضلاً عن ذلك النفوذ السياسي، ونتفهم كذلك أن الإيرانيين لا يخسرون كروتهم في اليمن بل هم يدركون أنهم يخسرون (الهلال الشيعي) والذي لن يكون موجوداً في ظل عاصفة تجاوزت كثيراً الصراع في اليمن لتؤكد علو الكعب السعودي من خلال الدبلوماسية التي نجحت في تأكيد مشروعية العمليات العسكرية في المقابل لم يجد الإيرانيين أمام استسلام الروس غير تقديم مبادرة لحل الأزمة اليمنية لم تجد مجالاً للنظر إليها في ظل محددات واضحة تقول بوجوب الانسحاب من صنعاء وتسليم السلاح والمعسكرات والعودة من غير شروط إلى المفاوضات السياسية التي ترتكز على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
في خضم كل هذا يمكننا أيضاً الاستماع إلى محمد البخيتي عضو الحركة الحوثية والأكثر ظهوراً في وسائل الإعلام الذي قال إن الحوثيين يستخدمون سياسة (الصبر الإستراتيجي) لمواجهة ضربات التحالف العربي، وهذه صورة أخرى من الصراخ من شدة الوجع فالواقع السياسي يقول إن المشروع الإيراني يتصدع وينهار وكلما حققت «عاصفة الحزم» من نتائج إيجابية على كل الأصعدة قبل توقفها هذا يعني أن ما صنعه الإيرانيون منذ 1979م يتساقط، وصدق الله تعالى:{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (41) سورة العنكبوت.