هاني سالم مسهور
مع انطلاق العملية الحربية «عاصفة الحزم» ازدادت على تخوم مدينة عدن المواجهات المسلحة بين اللجان الشعبية والمقاومة الجنوبية من جهة وبين الحوثيين وعناصر الجيش الموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وتبدو مدينة عدن هي واحدة من أهم الأهداف العسكرية في اليمن، فالحوثيون لم يحققوا للإيرانيين نتائج حقيقية على رغم أشهر طويلة من تمددهم على الجغرافية اليمنية وخاصة في المناطق الشمالية، فالحوثيون وحليفهم المخلوع صالح لم يستطيعوا السيطرة على باب المندب، ولم ينجحوا في السيطرة على المناطق النفطية في حضرموت ومأرب، وهو ما يعني فعلياً عدم نجاحهم في تحقيق الأهداف الإيرانية.
«عاصفة الحزم» التي قلبت كل المعادلات السياسية والعسكرية في اليمن وضعت حداً للمشروع الإيراني بشكل مباشر، وما يمكن الاستدلال عليه هو ما بثته قناة العربية الإخبارية عن خبر الزيارة التي قام بها نجل الرئيس اليمني علي صالح ولقائه بوزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي أبلغه بوضوح أن «عدن هي خط أحمر»، وهذا ما يوضح أن السعودية تدرك الغاية الإيرانية القصوى وهدفها الحقيقي بإسقاط عدن مما يعني السيطرة المطلقة على باب المندب، وهو الذي يضع الأمن القومي العربي والعالمي وما نسبته 35% من التجارة الدولية تحت حراب الإيرانيين.
ما بعد عاصفة الحزم هو عمليات عسكرية واسعة تحاول من خلالها قوات التحالف إضعاف الحوثيين والحرس الجمهوري الخاضع للرئيس المخلوع صالح، وفي الوقت ذاته تجري معارك مفتوحة بين الأطراف للسيطرة على المواقع الجنوبية تحديداً، والهدف منها هو فرض أمر واقع على الأرض بحسب ما يمكن، وذلك لإسقاط الشرعية الدستورية، كما أن الحوثيين سيستميتون لتحقيق هدفهم بالسيطرة على باب المندب ليمكنهم التفاوض أو المقايضة السياسية في أي تطورات لاحقة.
الوضع اليمني المتأزم على الأرض يمثل تطابقاً ليمن مضطرب على مدار نصف قرن، فلم يكن اليمن سخياً في غير توزيع الاضطرابات السياسية التي لم يجد فيها الإنسان اليمني غير الجهل والفقر ومزيد من البؤس، فلم يجد مسوغاً لحياة دون أن ينخرط طوعاً أو كُرهاً في تطرف جماعات صنعها نظام يحكم البلاد عبر المتلازمات الثنائية المتضادة، تقدميون أمامهم رجعيون، إخوان أمامهم ليبراليون، بعثيون أمامهم سلفيون، وهكذا تتشابك خيوط العنكبوت في يمن لا يجد فيه الناس ملاذاً من البؤس غير مزيد من البؤس.
الثنائية المتضادة بلغت منذ 1994م أقصى ما يمكن أن تصل شمالاً وجنوباً، غازياً ومغزواً، هذه الثنائية هي الأكثر جلاءً وحضوراً بل واستدعاءً في مسيرة متضادة على مدار أكثر من عقدين، هذه المتلازمة تتجلى أكثر وأكثر كلما ضيقت القوات الزاحفة إلى عدن من حوثيين وعناصر تابعة للرئيس المخلوع صالح. إذن نحن أمام المشهد الأكثر وضوحاً في المشهد اليمني، وهو أن التضادات اليمنية التي صنعت في اليمن منذ ثورتي سبمتبر 1962م وأكتوبر 1963م هي الآن تعيش كامل عنفوانها الفطري المصنوع لغايات المقاصد السياسية.
أذن، فالعملية العسكرية «عاصفة الحزم» تتجاوز مهمتها إعادة الشرعية، واستعادة اليمن الهش، وإخضاع ثعابين اليمن لطريق الإصابة، وتتجاوز كذلك بتر الذراع الإيرانية المتوغلة، لتقودنا إلى ما قبل اليمن الذي ستنتهي عنده «عاصفة الحزم» لترسم ملامح اليمن الجديد، اليمن الذي لا يجب أن يخضع لما خضع له في سنوات طويلة من البناء السياسي غير المتوافق مع طبيعته. ولعل ما ذهبت إليه المبادرة الخليجية عندما طرحت حلاً لليمن معتبرةً أن قضية الجنوب هي رأس الحل تعود الآن على اعتبار واقع المشهد العسكري الذي أفرز حقيقة تكرار لاجتياح القوات العسكرية الشمالية للمناطق الجنوبية من جديد.
ما بعد العاصفة باختصار يتجاوز اليمن سياسياً، وما قبل اليمن باختصار أشد هو ملامسة الحلول السياسية المطلقة لليمن في إطار حل سياسي يبقى تحت الواقع الذي ستفرضه العمليات العسكرية ومدى قدرتها في احتواء الوضع اليمني والتوفيق بين الأطراف التي ما زالت تنتظر لحظة دخولها المعركة العسكرية وعلى رأسها القبائل جنوباً أولاً وشمالاً ثانياً.