محمد أبا الخيل
في افتتاح المؤتمر الدولي الرابع للتعلم الإلكتروني أطلق معالي وزير التعليم تعبير (تعلم أكثر وتعليم أقل) لتوجيه تطوير التعليم على ذلك النحو، وقد استثارت عبارة الوزير ردودا متباينة منها ما استبشر وتفاءل بعهد جديد ينقل التعليم نقلة نوعية، ومنها ما توجس واستوحش التغيير الذي يتطلبه مثل هذا التوجه، وآخر لم يقبلها واعتبرها إخلالا بعملية التعليم وإرباكا لعلاقة المعلم والطالب التي يحكمها منهج شامل ومحدد، وحتى يطلع القارئ الكريم على مدى صحة أي من المواقف التي استثارتها عبارة معالي الوزير، سوف أتطرق في هذا المقال ومقال لاحق إن شاء الله لمعنى عبارة معالية واستحقاقاتها ومتطلباتها.
عبارة «تعليم أقل وتعلم أكثر» هي ترجمة مرادفة للعبارة «تدريس أقل لتعلم أكثر» وهي شعار برنامج تطوير التعليم السنغافوري (Teach less, learn more) وكما يختصر (TLLM)، وقد أعلن البرنامج عام 2004 م وتم الشروع بتطبيقه عام 2006م والبرنامج يقوم على فلسفة مضمونها «تخفيف أعباء المعلم الصفية مقابل تنشيط دوره في التفاعل مع الطلاب في عملية التعلم من خلال النشاطات اللاصفية» والبرنامج يعتمد على تطوير عدة محاور تتمثل في المنهج والمعلم والتقنية والإدارة المدرسية وقياس التحصيل المعرفي، فالمناهج في كل مراحل التعليم ومواضيعه خضعت لمراجعة دقيقة وتم خفض محتواها بنسب تتراوح بين 20% و10%، وتركز خفض المحتوى على ما يجب أن يتعلمه من التجربة والمشاهدة والاستنتاج الذاتي، وأصبحت المنهاهج إطارية عامة تسمح للمعلم والطالب بحرية اختيار مواضيع وأسلوب التعلم، وحصل المعلم على حصة الأسد من ميزانية تطوير التعليم، فقد تم مراجعة سجل الأداء لكل المعلمين وأخضعوا لعملية تقييم تفصيلية واستبعد من لم يحقق متطلبات التطوير المراد، حيث ألحق المعلمون ببرامج تطوير متقدمة أريد بها تحويلهم لميسرين لعملية التعلم بدلاً من ملقنين للمنهج كما كانوا عليه في السابق، ومكن المعلمين من التقنية وأدواتها حيث خضع كل واحد منهم لتأهيل عال في استخدام التقنية وتطوير والوسائط المتعددة ومنحوا حق الولوج الحر لمصادر المعرفة المتعددة ومخازن الوسائط وبوابات المعرفة وزود كل معلم بجهاز كمبيوتر محمول ومجهز بالبرامج المخصصة لتمكين المعلم من قيادة عملية التعلم ووضع للمعلمين حوافز معنوية ومادية تعتمد على قياسات إنجازاتهم، والمحور الثاني الذي استأثر بحصة كريمة من ميزانية تطوير التعلم كان محور تمكين التقنية حيث جهزت المدارس بمختبرات وشبكات معلمومات وولوج فائق للشبكة العالمية (Internet) وخصص كمبيوترات للطلاب بمعدل كمبيوتر لكل 4 طلاب كما تم اعتماد تقنية (BOYD) والتي تسمح لكل طالب بإحضار كمبيوتره الخاص للمدرسة والولوج لشبكتها والاستفادة من محتوياتها، وتطوير التعليم في سنغافورة اهتم بالإدارة المدرسة فمنح إدارة المدرسة استقلالية تشغيلية (School Autonomy) وحدد مؤشرات أداء للمدرسة تتحمل إدارة المدرسة تحقيقها، كذلك لم يهمل التطوير عملية قياس التحصيل لدى الطلاب والذي كان يعتمد في الماضي على اختبارات قياس اكتساب المحتوى لدى الطلاب وتم تعويضه بعمليات قياس جديدةعتمد على قياس التعلم وهو مزج بين تقييم المعلم ونتائج مساهمات الطالب. ومع مضي 8 سنوات على تطبيق البرنامج فلازال يواجه انتقادات كثيرة حول مدى نجاحه في تحقيق تميز نوعي للطالب السنغافوري على المستوى العالمي، خصوصاً مع بروز برامج تطوير للتعليم في دول أخرى مثل (فنلندا) و (كوريا الجنوبية).
وعودة لعبارة معالي وزير التعليم التي استثارات كثير من التعليقات والتي تساءلت « هل عبارته كانت مبنية على توجه إستراتيجي لتبني برنامج مماثل للبرنامج السنغافوري أم هو توجه لجلب التجربة السنغافورية وتطويعها لتناسب البيئة السعودية، أم هي أمنية خاصة لمعالي الوزير كما قال أحدهم «Wishful Thinking». على كل حال، وأياً كان تفسير عبارة معالية، فتطوير التعليم اصبح حاجة ملمة وبات هو الخيار الوحيد لتكوين أجيال قادرة على منافسة العالم وتحقيق تفوق نوعي في الحضارة والأقتصاد، ولا سبيل لذلك إلا بمواجهة للواقع واتخاذ قرارات مضنية وصارمة فلم يعد التردد ترفا يتمتع به الوزراء، بعد أن أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من موقعه في تويتر العبارة التالية «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك» وفق الله مليكنا ومن يعمل تحت قيادته لكل ما ييسر لبلادنا وأهلها الرقي والتقدم و الرخاء.