محمد أبا الخيل
منذ أيام انتشر تصريح مضى عليه أكثر من سنة، للسفير الأمريكي (فردرك هوف) والذي كان المستشار الخاص للخارجية الأمريكية حول الوضع السوري، حيث قال «إن مسؤولين إيرانيين قد أسروا له بأن أيران لا تعتبر أمريكا ولا أسرائيل عدوها في الإشكال السوري، بل ترى أن المملكة العربية السعودية هي عدوها الأول في سوريا وخارجها»، هذا التصريح لم يهتم به أحد في حينه، حيث أتى في زمرة من التصريحات الأمريكية المتناقضة حول الوضع السوري، ولكن هذا التصريح يكتسب الاهتمام في هذا الوقت وخصوصاً بعد أن تفجرت أطماع الحوثيين في الاستيلاء على السلطة في اليمن في صورة انقلاب على الشرعية والسعي لتكوين محمية إيرانية بحكم تابعية (عبد الملك الحوثي) والتزامه بالولاء للولي الفقيه (علي خامنئي)، هذا الاهتمام يبرز في صورة سؤال «لماذا ترى إيران أن المملكة العربية السعودية هي عدوها الأول، رغم سعي المملكة ودعوتها إيران المستمرة لبناء علاقات حسن جوار وتعاون ؟».
بقراءة متأنية للتاريخ وخصوصاً الحقبة التي تلت انهيار الدولة الصفوية، أي منذ العام (1736م)، وتوالي الأسر التركمانية على حكم فارس أصبح طموح ملوك فارس منصب على التوسع غرباً باتجاه العراق والشام، وهو ما توقف في عهد الملك القاجاري (فتح علي شاه) وإبرام (معاهدة أرض روم) مع الدولة العثمانية عام (1823م)، كان (فتح علي شاه) متدينا على المذهب الاثنى عشري ويسعى لوجود مبرر ديني لحرب الدولة العثمانية والتي كانت تحتكر الولاء (للخلافة الإسلامية) التي جعلتها في إسطنبول، لذا أوكل للفقيه المعروف (الملا أحمد النراقي) كتابة كتاب حول قواعد الحكم الإسلامي حسب المذهب الاثنى عشري فكتب كتاب (وسيلة النجاة) وكتاب (عوائد الأيام)، والذي أجاز فيهما لأول مرة (ولاية الفقيه) كوسيلة للخروج من معضلة حكر الشيعة حق الولاية العامة على (الأئمة المعصومين) وهذا ما كان يريده (فتح علي شاه) ليجيش الشيعة في الحرب على الدولة العثمانية. وبعد انهيار الدولة القاجارية على يدى الشاه (رضا بهلوي) وصعود الشاه (محمد رضا بهلوي) كملك للدولة البهلوية الإيرانية والذي كان بفضل الدعم الغربي وخصوصاً بريطانيا وأمريكا، تجددت الطموحات الفارسية في غربها العربي وحاولت أن ترث الوصاية البريطانية بعد انسحابها من العراق ومنطقة الخليج العربي، ولكن ذلك اصطدم بالمصالح الأمريكية النامية في المنطقة، وبعد الثورة الإسلامية وبعث (الأمام الخميني) ولاية الفقيه وتأصيلها كنظام حكم للدولة الإسلامية في إيران والفتوى بعموميتها على كل المسلمين، أصبحت إيران الإسلامية دولة توسعية بمحض تكوينها السياسي ودستورها الذي يرى ولاية الفقيه عامة على كل المسلمين دون مراعاة للحقوق السيادية للدول.
كما كان يسعى (فتح علي شاه) في خلق قطبية شرعية تستند على المذهب الاثنى عشري يصارع بها شرعية الدولة العثمانية والتي كانت تحتكر ولاية الخلافة الإسلامية، تعود اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران للعب نفس الدور وباستخدام نفس الوسيلة (ولاية الفقيه) ولكن لتصارع القطب السني الذي يمثل الوريث الشرعي للخلافة الإسلامية وهو المملكة العربية السعودية، وذلك بعد أن انتهت الدولة العثمانية وتحولت تركيا إلى دولة (علمانية). وما تقوم به إيران في العراق وسوريا ولبنان وأخيراً في اليمن هو محاولة لبسط نفوذ ولاية الفقيه ثم ابتلاع تلك البلدان في كيانها التوسعي.
أيران تدرك أنها لن تستطيع تحقيق طموحاتها التوسعية في بلاد العرب بلا مبرر (ديني)، فلن يقبل العرب استعماراً فارسياً يوهنهم ويذلهم وهم من تأصلت لديهم القناعة بوجود عداء فارسي لكل ماهو عربي ولازالت قصة معركة (ذي قار) ماثلة في الذاكرة العربية، لذا ومنذ بداية الثورة الإيرانية جعلت من أهدافها إحياء الطائفية في البلدان العربية واستقطاب الشيعة العرب في صورة خلق تبعية مرجعية لهم في إيران، ونشطت إيران الدولة في دعم المتشددين من شيعة العرب وتأليبهم على حكوماتهم وتعميم فكرة (مظلومية آل البيت) لتصبح مظلومية عامة لكل الشيعة. وبذلك تستطيع إيران النفاذ بحجة نصرة الشيعة وحمايتهم وبالتالي استخدامهم (كحصان طروادة)
مما تقدم يتجلى لنا بوضوح، لماذا ترى إيران في المملكة العربية السعودية عدوها الأول؟ فذلك لأن المملكة تقف في وجه الطموحات الإيرانية وهي الدولة الوحيدة القادرة على إجهاض تلك الطموحات بما لديها من وزن سياسي دولي وقوة عسكرية واقتصادية فاعلة، لذا لا تسعى إيران لمواجهة مباشرة مع المملكة حيث يمثل ذلك مغامرة مدمرة، ولكنها ستسعى بطرق أخرى تتمثل في ثلاثة محاور هي:
1 - توتير الحدود الشمالية للمملكة وخصوصاً مع العراق بتصعيد العدائية للمملكة من قبل المليشيات التي تدعمها إيران وتوتير الحدود السعودية الجنوبية بدعم انقلاب الحوثيين على الشرعية، وذلك لتشتيت القوة السعودية وخلق عدة جبهات.
2 - توتير مناطق تواجد الشيعة السعوديين وذلك من خلال تشجيع المتطرفين وتمويلهم لشق وئام الشيعة مع أخوانهم السنة وتمكين الاستقطاب المذهبي والتخوين، وذلك لخلق حالة من القلق تمهد لحالة (حصان طروادة).
3 - تشتيت الاهتمام العالمي نحو طموحات إيران النووية وذلك بإطالة تلك المفاوضات، مما يجعلها تتفرغ لبناء مليشيات وخلايا إرهابية في البلدان العربية بقصد تفتيت الاهتمام العربي بتهديدات إيران التوسعية.
الآن وبعد أن نفذ صبر المملكة على الأذى الإيراني، وبادرت من خلال التحالف الدولي في ضرب أول تهديداتها والمتمثل بتمرد الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن، لابد من الاهتمام بالمحور الثاني من خطة إيران وإجهاضها، وذلك لا يكون إلا بتلاحم المواطنين من السنة والشيعة والوعي أن إيران تراهن على شق الصف الداخلي، فلنكن واعين لذلك وهذا هو الأوجب في حق الفقهاء والأئمة وعلماء الدين والمثقفين وعموم أبناء الشعب، حمى الله بلادنا وجنبها الفتن وأطماع الأعداء.