فيصل خالد الخديدي
الفنون واجهة الحضارات المشرقة، وجمالها الباقي شاهدٌ على عمق الحضارة وتطورها، وهي في الوقت نفسه استشراف للمستقبل، ورسم لجماليات بقائه ونقائه ونمائه وحسن بنائه، ومتى ما كانت الفنون حاضرة في جميع تفاصيل الحياة سادت الحضارة واستمرت، واستمر أثرها حتى بعد مرور آلاف السنين. ومن الركائز المهمة والبناءة للمجتمعات يأتي التعليم على رأس الهرم. وبالنظر لواقع علاقة التعليم المحلي بالفنون نجد أنها رحلة يسودها شيء من التيه والتباين في الحضور من العدم وبين محاولة الدعم والإقصاء. فلم تحضر الفنون في مناهج التعليم المحلي إلا من خلال الحضور الهامشي، الذي جاء على استحياء وبشكل مقتضب في مادة التربية الفنية وبعض الأنشطة كالمسرح، التي برزت في فترات كأنشطة لا منهجية، ثم وئدت أو قدمت بمسمى مبتعد عن الفنون، كأنشطة ثقافية. وما التعليم العالي بأفضل حال من التعليم العام في تعاطيه مع الفنون, فغُيبت التخصصات الفنية عن برنامج الابتعاث وعن برامج رعاية الموهوبين، وحتى عن الأنشطة الطلابية في الجامعات, ولم يكن هناك استراتيجية واضحة المعالم والأهداف لدعم الفنون وتقديمها بشكل علمي وداعم لثقافة وتعليم أبناء الوطن, فبلدنا بلد حضارات، وليس بلداً صحراوياً عديم الحضارة كما يروج له المغرضون وعداة الوطن. فالشواهد التاريخية والآثار الفنية في شبه الجزيرة العربية وفي الحدود السعودية يفوق عمرها مليون سنة - كما ذكرها الدكتور عيد اليحيى في برنامج على خطى العرب - وعُرفت ووُثقت من خلال ما تبقى من فنون ورسوم، دُونت وبقيت شاهدة لتلك الحضارات السابقة.
إن واقع الفنون بشكل عام، والتربية الفنية بشكل خاص، في التعليم المحلي يمر بمرحلة من الانحسار والضيق، الذي يبدو أنه يسير للتلاشي والإقصاء. وحتى الجهود في التعليم العالي لم تزل في خطوات البدايات، ولم تشكل شخصية وهوية فنية من خلال مخرجاتها؛ فلا هي اهتمت بالإنتاج الفني ودعمه وإنشاء الكليات المتخصصة في الفنون بشتى مجالاتها، ولا هي التي اعتنت بالتربية وتعديل السلوك عن طريق ممارسة الفن وفلسفة الفن وعلم الجمال.
إن أولى خطوات دعم الفنون في التعليم هو الإيمان والاعتراف بأهمية الفنون للحياة والبناء وعمارة الأرض, والعمل وفق منهجية علمية وعمل مؤسسي، يرتبط بالإنجاز والتخطيط الصحيح، وليس بوجود الأشخاص أو المشاريع الفردية التي تزول بزوال المسؤول عنها. إن التعليم المحلي بحاجة إلى أن يكون تعليماً جاذباً ومحفزاً للمتعلمين, ولكن بتعطيل الملكات والمواهب الفنية فإنه يكون تعليماً جافاً وطارداً ومنفراً. لقد حان الوقت لإنشاء كليات فنون جميلة وتطبيقية ومسرح وكليات حرفية، تبني مستقبل الوطن بأيدي أبنائه. فنحن أمة جمال وحضارة بناء ودعاة سلام وإسلام متى ما كنا مؤمنين بذلك، فلا نجعل تعليمنا طارداً وثكنة لتعليم ثقافة الموت وإقصاء ثقافة الحياة.
ترنيمة أخيرة: جميل أن تطلب الوزارة من طلابها تصميم شعارها والتصويت له.. ولكن هل تم تأهيلهم بأسس التصميم والنقد والبرامج اللازمة ليقوموا بتلك الأدوار؟.