فيصل خالد الخديدي
كان حديثاً شيقاً ومنهجياً ويلامس العقول قبل المسامع عن الفنون والشباب والتعايش في مجتمعنا، وكيف لا يكون كذلك وهو حديث من متخصصين وأكاديميين ومفكرين لهم أفكارهم ورؤاهم حول الشباب والفنون بشتى مجالاتها في ندوة بمعرض الكتاب عنونت بـ(الفنون والشباب دعوة للتعايش)، تشرفت بإدارتها، وبدأ الحوار بملامسة الدكتور صالح النصار لمكامن الخلل في مؤسساتنا التعليمية والثقافية وغياب دعم الفنون في كثير من مشاريع الثقافة والتعليم وغياب الفنون عن كراسي الأبحاث بالجامعات وعن برنامج الابتعاث وصولاً إلى غيابها عن برامج رعاية الموهوبين. وكان حديثه منهجياً شاملاً حتى الحلول لمثل هذا الغياب وتمكين الشباب من التعايش الحقيقي مع الفنون من خلال إستراتيجية التحول لمجتمع المعرفة. وأعقبه في الحديث الدكتور معجب الزهراني الذي سرد التحولات في المجتمع منذ أن كان بقرية قرب الباحة والفن فيها جزء من الحياة اليومية بجميع أطيافه شعراً وطرباً وفرحاً ولوناً، وكذلك الحال في الرياض قبل ابتعاثه إلى باريس وعودته ليجد الرياض تصحرت بعيداً عن الفنون، ويرى أن المجتمع السوي لابد أن يتوفر به عدد من الحاجات: الحاجة للعيش والغذاء، وللمعتقدات، وللعلاقات الاجتماعية والحاجة للفنون الجمالية. وانتقل الحديث للدكتور أبوبكر باقادر وحديث منطقي عن التعايش من أجل التعارف، والتعايش ما هو إلا اعتراف بوجود الاختلاف، وهو قبول الآخر على ما هو عليه دون وصاية، وبالحوار نصل للتعايش. وفُتح بعد ذلك المجال للحوار والمداخلات من قبل الحضور -الذي بدأت أعداد من يسمون أنفسهم بالمحتسبين بالتزايد مع منتصف الندوة- ولم يتقدم للمداخلة سوى ستة من قسم الرجال كان أحدهم من المحتسبين الذين ميزوا أنفسهم بلبس البشت وعدم لبس العقال، وسيدتين من القسم النسائي, وبعد أن طرحت المداخلات والأسئلة تولى الدكتور صالح النصار الرد على ما وجه له من استفسارات، وبدأ الدكتور معجب بعده بالرد على ما يخصه من استفسارات، وقال باختصار: نحن لسنا بحاجة لكثير من التنظير، وإنما ارفعوا العصاء ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع، فالشباب يعرف طريقة للتعايش مع الفنون. وفي ختام حديثه تأسف على تحطيم الإرث الإنساني الفني على يد «داعش» في العراق، وهو ما أثار عدداً من المحتسبين الذين حاولوا مقاطعة الندوة بتأييدهم تحطيم الآثار بحجة أنها أصنام، وحاولوا التداخل ورفع الصوت، ولكن استمرت الندوة في تسللها ولم يُسمح لهم بمقاطعتها بالشكل المخل الذي يرغبون, وتم الإيضاح بأن الآثار عمرها آلاف السنين ولم تهدم على يد الرسول ولا الصحابة، وإنما هدمت على يد إرهابيّ داعش. وبعد أن أنهى الدكتور باقادر حديثه وأجاب على التساؤلات المطروحة عليه ختمت الندوة وتوافد بعض المحتسبين على منصة الندوة معترضين ومتجهمين وتمت محاورتهم، وبالرغم من احتواء الموقف وإنهائه في وقته، لكن إلى متى تظل الفعاليات الثقافية مخترقة بمثل هؤلاء؟ وإلى متى هذا التوجس من الفنون وإقصائها باسم الدين؟ وأين دور وزارة الثقافة في حماية فعالياتها؟.