فيصل خالد الخديدي
من أبرز ما يميز الفنان التشكيلي الحقيقي والصادق مع فنه هو إحساسه وحساسيته العالية تجاه المواقف والأفكار والجمال والمشاعر، التي يترجمها بتقنياته وتعبيراته وحلوله الفكرية والفنية، التي تفيض بالعاطفة والإحساس الصادق، إلى منجزات تشكيلية ومخرجات إبداعية محمَّلة بمزيج من الرؤى العميقة والإحساس الصادق والفكر المتجاوز لخدمة موضوعه ورسالته الفكرية والإنسانية.
ومع الانفتاح على العالم، وسطوة الماديات عبر السوق الرأسمالي، انساق كثير من التشكيليين في عالم الأشياء، وأصبحوا في مهب العرض والطلب، وتحكمهم مؤشرات السوق، وتوجههم بوصلة مراكز القوى في سوق المال معطلين ملكات الإبداع والإحساس إلا من خلال ما تملي عليهم مؤشرات السوق؛ فأصبحت علاقاتهم بمجتمعاتهم وقضاياهم علاقة شيئية، تشبه علاقة الأشياء بالأشياء، دون أي أحساس أو مشاعر إنسانية، بل تشيأ عدد من التشكيليين فأصبحوا من ضمن أملاك أرباب رؤوس الأموال والمسوقين، ويتعاملون معهم كأشياء مجردة من الإنسانية، وضمن مقتنياتهم الخاصة، في تجاهل لشخصياتهم وأحاسيسهم؛ فأصبح التعامل معهم ليس كبشر وإنما كأدوات لتحقيق أغراض ولخدمة فكر تسويقي أو خطط ترسمها وتمليها المجتمعات المتطورة بدعوات مختلفة بين التطور والحفاظ على الأمن ومحاربة الإرهاب.. وغيرها من دعوات مغلفة وضمنية ولو على حساب المبادئ والقيم والمعتقدات. كما ارتضى التشكيليون من خلال «تشيئتهم» أن يكونوا تحت وصاية وملكية الغير، وهم من يحددون حق تقرير مصيرهم وفق متطلبات السوق. وليس ذلك فقط، بل أصبحوا بضائع لا ذاتية لهم, ولا شخصية في سوق المتشابهات والمستهلكات.. وأهمية الفنان وقتية، وله تاريخ صلاحية، وبمجرد انتهاء دوره في العملية التسويقية يقصى ويرمى كبطاقة صراف آلية منتهية الصلاحية.
إن قولبة التشكيلي ضمن قوالب مسبقة الصنع من ثقافات أخرى، وتخدم قيماً لا إنسانية أو أهدافاً معدة سلفاً لخدمة الحضارة الغالبة والمتحكمة في سوق المال وسوق الفن، هي إحدى صور «التشيُّؤ» التي تعرَّض لها كثير من التشكيليين المحليين والعرب,
ولعل أبشع صور «التشيؤ» التي مورست على عدد من التشكيليين العرب والمسلمين وحتى المحليين أن تخلَّوا عن قيمهم وثوابتهم، وارتضوا على أنفسهم أن يكونوا ضمن قوالب معدة سلفاً مضمونة النجاح والظهور والتسويق بشكل عالمي، وتقديمهم على أنهم فنانون مسلمون شاهدون على إرهابية الإسلام والمسلمين بتضخيمهم في أعمالهم لانتقاد بعض الممارسات من المحسوبين على الدين، وتقديمها على أنها من الإسلام داعمين بذلك الهجمة على الإسلام فيما يعرف عالمياً بظاهرة الإسلاموفوبيا!
إن «التشيؤ» مفهوم تتحول فيه العلاقات بين البشر والظواهر الإنسانية كما لو كانت علاقات بين أشياء مجردة لا إحساس فيها، وعلاقاتهم تتجاوز التحكم الذاتي والإنساني، ويصبح الفرد مفعولاً به لا فاعلاً، مغلوباً على أمره دون أي فاعلية منه سوى ما يُملَى عليه.
ترنيمة أخيرة: هل حب الظهور والمادة، وباسم الفن، جعل من بعض التشكيليين أشياء موجهة دون إحساس ومشاعر، ولو كان ضد ثوابت المجتمع ودينه؟!