عمر إبراهيم الرشيد
من المعلوم أن الوزارات والقطاعات الحكومية في أي بلد لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض أو هذا ما يفترض، وهي في النهاية روافد تشكل نهر الأداء الحكومي العام. وبقدر ما يتوافر التنسيق والتكامل بقدر ما تأتي النتائج والمشروعات محققة للخطط التي وضعت لها. الاجتماعات الأخيرة التي تمت مؤخرا بين مسؤولي وزارتي الداخلية والشؤون البلدية والقروية على مستوى الإدارات العليا مؤشر جيد على
رفع مستوى التنسيق بين هاتين الوزارتين، والحديث عن العلاقة بين تخطيط الأحياء الشبكي على سبيل المثال، وأحزمة الدكاكين التي تطوق تلك الأحياء من جهة، وبين الوضع الأمني والاجتماعي من جهة أخرى، من أول ما يتوقع من هذا التنسيق أن يراعيه.
لست مختصا في التخطيط المدني أو العمراني، إنما لا يحتاج وضع معظم الأحياء في المدن والبلدات السعودية إلى متخصص كي يستنتج ان تخطيطها لا يراعي حقيقة العامل الأمني والمروري، وفي ظني أن غياب التنسيق أو لنقل ضعفه بين وزارة البلديات ووزارة الداخلية من أسباب عدم مراعاة الميزة الأمنية للأحياء. انك إذا نظرت إلى المدن السكنية التي تتبع بعض الهيئات الحكومية حقيقة تدرك معنى ما أقول دون شرح، تلك الأحياء شبه المغلقة ان صح التعبير، بمدخل ومخرج محدد، وحارات تتوافر على مراعاة الحس الأمني وبالتالي الأمان النفسي والاجتماعي، مما ينعكس على تقارب السكان ومراعاتهم لمصالح حيهم كل على حسب ثقافته ووعيه الاجتماعي بلا شك فالناس ليست واحدة. ومن المعلوم انه حتى التكلفة الاقتصادية لتلك الأحياء التي عادة ما تنفذها شركات لها رصيدها العريق وخبرتها العالمية ليست باهظة حتى لا نقول متدنية، بالنظر إلى التكاليف الباهظة والهدر الذي ترتكبه القطاعات الخدمية لدينا نتيجة تراكم الفكر البيروقراطي ونتائجه عبر العقود الزمنية.
وزارة الداخلية على وشك بدء حملتها الأمنية الثانية أو لعلها قد بدأت لتصحيح وضع مخالفي الإقامة والمتسللين، لتأثيرهم الأمني والاقتصادي، والمملكة ليست بدعا بين الدول فهذه سياسة دولية عامة تتبعها الحكومات حفظا لأمنها الداخلي والاقتصادي والاجتماعي. ولعل هذه الحملات تراعي العلاقة القوية بين وضع كثير من العاملين الأجانب من جهة، والمحلات والدكاكين التي تطوق الأحياء السكنية على امتداد المدن والبلدات السعودية من جهة أخرى.
وقد كتبت من قبل مرارا عن الضرورة الملحة لإعادة النظر في هذا النسق الذي يشوه الهوية العمرانية والاجتماعية للبلد بشكل عام. وان كان من بين أهداف منح التراخيص بلا حدود لتلك المحلات التي تعد بعشرات الآلاف لكل مدينة إنما هو بدافع زيادة الحركة البشرية والمرورية حتى يشعر السكان بالأمان، أقول إن كان هذا هدف نشر تلك المحلات على هذا النسق الذي نعيشه، فهو لعمري خلل في التفكير الإداري ينم عن سذاجة أو على أقل تقدير هو تفكير إداري يتناسب مع وضع المملكة في بدايات تأسيسها وقطعا - وهذا رأي شخصي - لم يعد يتماشى مع أبسط أصول التخطيط الحضري، إِذْ إن الأمن منوط تحقيقه بالتعاون بين السكان والجهات الأمنية، ولعل هذا التنسيق الجديد بين الوزارتين يراعي هذه النواحي أيضاً وهذا هو المأمول. طابت أوقاتكم.