د.ثريا العريض
في طفولة هاشم وصباه كان هناك الكثير من اليمنيين في المملكة العربية السعودية. و قد ساهم الحضارم في بناء نهضتها عمرانيّاً واقتصاديّاً. ولم يكن اليمني يشعر بالغربة في المملكة, وعبر الحدود دون تعقيدات من الجانبين. ولكن التباسات حروب المنطقة أثرت كثيراً في تجربة اليمنيين في إطار الجزيرة العربية؛ خاصة حرب الخليج الثانية حين اختاروا تأييد صدام حسين في عدوانه على الكويت وأطماعه في السعودية. ولم يكن اليمنيون وقتها إلا من ضحايا الشعارات البراقة الداعية إلى مشاركة الجميع في خيرات الخليج تحت راية نفط العرب للعرب. وربما ضاعف ذلك الاستعداد تأثر بعض مثقفي في اليمن والدول العربية بالدراسة في دول تتبع أنظمة شيوعية.
ولم يستطع اليمن تحمل صراع الثقافات بالتوازن المطلوب حتى لتوحيد شماله القبلي بجنوبه النفطي.. حتى بعد سقوط سلطة الإمام ظلت الأعراف القبلية والعشائرية سائدة واختلطت ثقافة قراءة كتب تولستوي والماركسية والشيوعية, بثقافة الجنبية وإدمان القات. أما الطامة الكبرى فكانت في وصول السلطة لمثل علي عبدالله صالح الذي انتماؤه لمصالحه الخاصة. وتفجرت بعد إسقاطه حين عاد فالتف متخفياً خلف تجييش الحوثيين وإغرائهم بطلب السلطة.
محليّاً, بين منتصف الثلاثينات والستينات في منطقة غرب الخليج وشرق الجزيرة العربية تزامنت عدة مستجدات مهمة. سياسيّاً تم توحيد معظم أنحاء شبه الجزيرة وتكونت الدولة الشاسعة التي نعرفها اليوم بالمملكة العربية السعودية. اقتصادياً أدى اكتشاف النفط في المنطقة إلى تغير كل اقتصاديات المنطقة من الإرتباط بالبحر والتجارة إلى وجود مصدر دخل حديث لا جذر له في تجربة أهل المنطقة الأصليين إلا من حيث اكتشاف الآبار في أراضيهم, أو جوارهم. اجتماعيّاً ظلت الروابط والأعراف القبيلية والنعرات الفئوية سارية المفعول, وما زالت رغم مرور أكثر من نصف قرن تنافس محاولات زرع مشاعر المواطنة.
من المستجدات الإيجابية نجاح مساعي نشر التعليم العام بين المواطنين والمواطنات، ومأسسة الدول السيادية لتقوم على هيكلة حديثة في نظام الوزارات الخدمية. بعض دول الخليج العربي أدركت حال تكونها كدول سيادية حاجتها إلى التجمع في إطار يحميها من أطماع دول الجوار والقوى الكبرى. وتكونت دولة الإمارات العربية المتحدة نتيجة رؤية حكيمة استشرفت المستقبل الإقتصادي والسياسي. وليت الدول الأخرى في مجلس التعاون استجابت حين دعتها وقتها لتنضم إلى اتحاد يشمل الجميع. مع الأسف لم يحدث ذلك.
ربما الآن بعد اتضاح الأطماع الصهيونية في التمدد على خارطة المنطقة بقضم متكرر لدول الجوار ورفض أي خطة للسلام أوحتى فكرة الدولتين؛ والطموحات الإيرانية للعودة إلى أمجاد إمبراطورية بتصدير الثورة الخمينية والهيمنة على الجوار الإقليمي بإثارة النعرات المذهبية, آن الأوان أن تستجيب دول مجلس التعاون لمقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الارتقاء إلى اتحاد. ولعل الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يؤم القادة الخليجيين ليروا أهمية أن يمتد التقارب ليشمل اليمن فتكتمل بها وحدة شبه الجزيرة العربية في إطار نضج سياسي وثقافي بناء.
عندها ستكون أقوى وحدة في الجوار في مواجهة العواصف, وأكثرها منعة سياسيّاً واقتصاديّاً, وأقدرها على البناء الحضاري عربيّاً وإسلاميّاً وعلى إسعاد جيل شبابها, مثل هاشم, وجيل أبنائها القادمين الذين نعد لهم مؤسسات تعليم ومناهج متطورة؛ بدءاً بالحضانات الموعودة والبرامج المهنية والتقنية والتدريبية المتخصصة والتواصل مع مستجدات العلم الحديث. وبوادر القرارات التي بادرت بها القيادة الحكيمة بتوفيق من الله, تعد بإثمار يسعد الجميع.