د. حمزة السالم
فوجئ مودعون بذهاب مبالغ نقدية كانوا قد أودعوها في حساباتهم في بنك من البنوك عندنا، دون إخبار من البنك، ومن دون أي سبب ظاهر لذلك ولا تبرير.
ولأنني لم أتقبل صحة الخبر - رغم ثقة محدثه - فقد تحدثت مع الخبير البنكي الذي أمضى اثنين وعشرين عاماً في البنك؛ ليحدثني بثقة وأدب بأنه قد كان هناك خطأ تقنياً إدارياً مهنياً، استمر أربعة عشر شهراً، يتعلق ببعض مدفوعات بطاقات الائتمان؛ ما أدى إلى أن لا تُسجل هذه العمليات على العميل.
وقد بان الخطأ للبنك بعد أربعة عشر شهراً؛ فقام باستحواذ ما يجد من المبالغ في الحسابات، فإن لم يجد تربص حتى يودع العميل شيئاً في حسابه؛ ليستحوذ عليه دون علم العميل. فبدلاً من أن يحقق البنك مع المسؤولين، ويتحمل وإياهم الخطأ، قام - رغم إدراكه بمخالفته الصريحة لأنظمة مؤسسة النقد، مستنداً إلى دعواه ومزاعمه - فحكم لنفسه، وقضى لها بحقه المزعوم، ونفذ، دون حضور علمي ولا شخصي ولا اعتباري من الطرف الآخر.
قلت للحبيب الخبير البنكي المهذب اللطيف: أما المزاعم بسحوبات قد مر عليها قرابة العامين فهي مردودة بشهادتك. فالتكنولوجيا التي ضاعت لأربعة عشر شهراً، هي والطاقم الإداري المسؤول عنها، لا تُصدق شهادتها ولا شهادتهم، لا من جانب الكفاءة المهنية ولا من جانب الكفاءة الذاتية. فكل ما خرج من فواتير اليوم هي غير معتبرة؛ فهي تخرج باعتبار معطيات اليوم، لا بمعطيات قبل عام ونصف العام. فالمسؤولية عموماً يتحملها البنك نظاماً وعرفاً وأدباً، خاصة في البطاقات الائتمانية.
فروح مفهومها ونظامها السعودي يؤكدان تحمُّل البنك المسؤولية كاملة كجزء من كلفة المخاطرة، فكيف والكلفة هي كلفة إهمال البنك لا كلفة المخاطرة! ولهذا فأنظمة مؤسسة النقد نصت بأنه في حال الخطأ/ أو النزاع حول عمليات لبطاقات الائتمان فليس للمواطن إلا ثلاثون يوماً للاعتراض، وليس للبنك أكثر من 90 يوماً، إلى 180 يوماً في الحالات الاستثنائية.
وكتطبيق صريح لهذا فالمؤسسة تضع للبنك مهلة لإخلاء طرف المواطن بمدة 30 يوماً كحد أقصى بالنسبة للبطاقات الائتمانية. ودعواك التي تحكيها قد مر عليها قرابة 500 يوم!
والبنك يحسب نسبة فائدة 30 % على البطاقات الائتمانية، ويتحصل على نصيب الأسد من نسبة 2.5 % من كل عملية عليها، ويأخذ 400 ريال رسوماً سنوية على بعض البطاقات، نظراً لكلفة المخاطرة المقترنة بها. ولكن بنوكنا لم تتعود أن تدفع أي كلفة تنتج من أرباحها الفاحشة ولا من أخطائها المهنية. ثم كيف أُغلقت الحسابات النهائية، السنوية والفصلية؟ وما أدرانا؛ فلعل البنك إلى اليوم في غفلته، وما هذه التصرفات الفاضحة إلا تلاعب من موظفين قد أَمِنوا العقوبة، وقد وثقوا بعدم دراية المديرين، أو بصداقاتهم، فوجدوا فرصة ما للاستيلاء على أموال من بعض المودعين الضعفاء، وقد تأكدوا أن أحداً لن يسمع صياحهم وشكواهم؟
* يحب أن تخرج الثقافة البنكية من حفرتها التي هي فيها، والتي قامت قديما على أن القضاء لا يعطيها حقوقها لأنها أموال ربوية على حد زعمهم، فأصبحوا يأخذون حقوقهم بأيديهم، كقروش عصابات القروض في الدول الأخرى.
* القضاء اليوم قد تقدَّم كثيراً، وخطا خطوات متقدمة كثيرة، والأنظمة وُضعت في صالح البنوك - للأسف -، والبنوك تعلم هذا، ولكن الحالة التي بين أيدينا لجأ إليها البنك؛ لأنه يعلم علم اليقين أن ليس له حق فيما يدعيه؛ فركب ثقافة الأمس؛ ليصحح خطأه وإهماله اليوم.
* لن تنتهي البنوك عن تصرفاتها غير المهنية التي تخرج بها علينا من حين لآخر إلا بعقوبات مادية رادعة؛ فلم نسمع عن عقوبة ضخمة لحقت البنوك لتلاعبها في اكتتاب الأهلي، وكشف حساباتها. ولم يُنتصف للمكتتبين الذين ظُلموا في التخصيص بسبب تلاعب البنوك في اكتتاب الأهلي.
* ولن تقدر الجهات المراقبة الرسمية على ضبط التجاوزات البنكية ما لم تسحب حق حجز الراتب وحق الاستحواذ على الإيداعات مهما كان السبب إلا بحكم قضائي.
ولن يمتثل البنوك لأي نظام يمس فوائدها أو يكشف تجاوزتها وأخطاءها ما لم تفرض عقوبات مادية مرتفعة.
* البنوك هي قلب الاقتصاد، والإهمال في علاج القلب - ولو كان مؤلماً - له عواقب سيئة على أعضاء الجسم كله.