علي الخزيم
أشبه ما تكون بالكوميديا الساخرة؛ تلك الصور المتداولة والمشاهدة مباشرة في مواقف ومناسبات متعددة تجاه عُمّال النظافة خاصة والعمال عامة نظاميهم ومخالفهم، فنحن قوم عاطفيون أكثر مما يتحلّى به البشر الواقعيون من عاطفة مُنْضبطة، وهذا ما يراه علماء النفس بالاندفاع الساذج الابله نتيجة مؤثرات تَسْتَحث العواطف والغرائز الكامنة (سواء كان هذا الاستدعاء عارضاً أو مخططاً له)، وفي رأيي أن تقدير جهود عمال النظافة والشفقة عليهم والنظر إليهم بعين الرحمة الإنسانية أمر طيّب ومُحبّب إن لم ننظر إليه كواجب ديني، ثم أننا (العرب) قد تأصلت بجوانحنا وشِغَاف ونِخَاب قلوبنا هذه الشمائل العظيمة، ولست بصدد استعراض للمفردات لكنها مما يناسب قامات أجدادك من أفذاذ العرب الوارد ذكرهم الطيّب أعلاه،
(رويدك): ابحث عن معانيها وستجدني لم اتكلّف ولم استظرف، كان اجدادنا الأوائل واللاحقون لا يُفوّتون مبادرات كهذه من شأنها رفد مفتقر وغوث ملهوف وعون محتاج؛ غير انهم يُقِيمون وزناً لكل ظرف ويحددون حجم كل مساعدة بما يناسب المُعْطِي والآخذ، مع تثمين وتقييم الآثار المترتبة والمنتظرة بعد تحقق أعمال البر والإحسان، أي انهم يحرصون أن تكون للمستفيد المناسب في الوقت المناسب دون مَنٍّ أو أذى على المُتلقي الذي يُخْتَبر ان كان اهلاً لها أو قد تُمنع عنه جزئياً ان لم يتفهّم المقاصد ولم يدرك الأهداف من هذه الشعيرة، فهم لم يبحثوا عن أصداء للمديح والدعاية لعملهم، لا يهمهم نشر خبره بقدر ما تهمهم آثاره وانعكاساته على من تم الاحسان اليه (وهذا يحتاج لتفصيل لا يتسع الحيّز له الآن)، نعم لقد جُبِل الكثير منا على حُب الخير والتسابق إليه كلٌ بما يستطيع، لكن ربما تنقصنا وسائل التنفيذ مع الاندفاع غير المدروس والمبالغة بالإغداق على من لا يستحق وكأننا نستعجل انهاء المهمة لننفض أيدينا وجيوبنا مما بها من دريهمات خصّصناها لهذا الغرض ثم نحمد الله على ما هدانا اليه، في حين أننا قد نكون حرمنا من يستحقها بسوء ترتيبنا لطرق البذل وأسلوب العطاء، فالعمال الذين بيننا الآن فيهم من لا يستحق اطلاقاً نظراً لما يملكونه من مصادر دخل متعددة يطرقون كل سبيل من أجلها شرعي ومحرم، فيبدو لي - والله اعلم - ان هؤلاء ممن صُدّروا لنا بطرق غير سوّية، وهناك في بلادهم أرامل وأيتام ومعاقون ومشردون من اخوانكم المسلمين لا يستطيعون القدوم إليكم هم أحوج، وهناك جهات محلية وإقليمية موثوقة تُنظم وتُوصل صدقاتكم إليهم، فاجتهدوا وتَحرّوا المصداقية لتبلغوا أعظم الأجر دون (درعمة بلهاء)، ومن هذه الصور ان مجموعة معلمات اجتهدن بعد مكرمة الراتبين واعددن مئات السلال من الأطعمة والملابس وتمت دعوة طوابير من العمال لاستلامها وهم ربما لا يعلمون لماذا، وكل ما لفت انتباههم هو كاميرات التصوير، فأخذوها وهم يضحكون، ولعلكم تذكرون المواطنات اللاتي قَبّلن رؤوس العمال بالشارع في مشهد مُستهجن رغم حسن نيتهن التي لا تكفي لتحقيق القدوة الحسنة، فلا بد من الدراسة والتخطيط.