د. أحمد الفراج
ذات يوم من عام 1991، وبعد بدء حرب عاصفة الصحراء لتحرير الكويت من الاحتلال الغاشم، وكنت حينها أتابع دراساتي في الولايات المتحدة، كنت أتهادى في باحة أحد مباني جامعة ولاية متشجن، في مكان يتجمع فيه بعض الطلاب، قبل الذهاب إلى محاضراتهم، ولفتت نظري أصوات عالية لبعض الطلبة العرب، الذين كانوا يتناقشون في أحداث الحرب، وفجأة صرخ أحدهم: «آه لو يقصف صدام حسين آبار نفط الخليج»، وعلمت فيما بعد أن ذلك الشاب كان أحد الإخوة العرب، الذي ولد وعاش في المملكة العربية السعودية، ثم درس - مجانا - في جامعة الملك فهد للبترول بالدمام، وعومل معاملة نظرائه السعوديين، وتخرج بشهادة البكالوريوس في الهندسة، وهو الآن يواصل دراساته العليا على حساب إحدى القطاعات في المملكة، ولا يعنيكم ما دار بيني وبينه لاحقا من حديث، ولكن المؤكد أنني، وبعد سنوات من تلفظه بتلك العبارة، وتخرجه، وحصوله على شهادة الدكتوراه، وجدته يقرأ إحدى الصحف في ذات المكان، فما كان مني إلا أن دنوت منه وهمست في أذنه: «لو أحرق صدام حسين آبار النفط في المملكة، كما تمنيت قبل أعوام، لما تمكنت من العودة للمملكة الآن، والعمل براتب ضخم، ومميزات كبيرة، أليس كذلك؟»، ولم أعطه فرصة للرد، وإن كنت قرأت ملامح الأسف والخجل على قسمات وجهه.
إنها حكاية نكران الجميل، فبعض الناس لا يملك من الخلق، ولا الطباع الحسنة ما يمكنه من تحقيق الحد الأدنى من الوفاء تجاه من أسدى له معروفاً، وقد تذكرت حكاية ذلك الشاب وأنا أتابع طرح الإعلامي عبدالباري عطوان، وهو الذي بدأ حياته الصحفية في المملكة، أيضا، ومن ثم تم تأهيله إعلاميا هنا، قبل أن ينطلق إلى رحاب أوسع، وهذا الرجل لديه مشكلة حقيقية مع الخليج وأهله، حتى أصبح ذلك متلازمة لا تفارقه أبدا، فبعد أن بشر قبل فترة قصيرة، في مداخلة تلفزيونية، بأن رئيس ايران سيتولى تعيين حكام منطقة الخليج قريبا !!، وأن الخليج سيتم حكمه من طهران!!، كتب مقالات عدة، منذ بدء عاصفة الحزم، لم يخف فيها تعاطفه مع ايران، ومشاعره الحاقدة على كل ما هو خليجي، ثم عرج على متلازمة مزمار طهران، حسن نصر الله، والقومجيين العرب، وهي المتلازمة التي أصبحت شماعة يعلقون عليها فشلهم ونجاح الخليج، اذ يردد عبدالباري: «لماذا يهاجم التحالف اليمن، وأين هم عن إسرائيل؟!!!».
عطوان، والذي يدعو لتحرير القدس من منزله الفاخر في أرقى أحيان لندن، صحفي متمرس، ولكنه مثل «السباك» الذي يقف على قارعة الطريق، منتظراً أقرب فرصة عمل من أي كان، فالمهم هو العمل والحصول على مقابل، ولا يهم من هو صاحب العمل، وهذا العطوان لا يجهل ما فعلته وتفعله المملكة ودول الخليج للقضية الفلسطينة مقابل ما تفعله إيران، ويعرف السياسة العالمية جيدا، ويعرف من يدعم اسرائيل، ولا تخفاه أصول اللعبة السياسية، ولا قواعد الحرب والسلم، ولكنه يتجاهل كل ذلك عمدا، فالمهم هو نقد أي خطوة ايجابية تقوم بها دول الخليج، واللعب على مشاعر المغرر بهم من بقايا القومجية، واصحاب الشعارات الفارغة، ولا يراودني أدنى شك بأنه لو فعلت المملكة كل ما يطالب به عطوان في مقالاته الملغومة، والتي تفوح منها رائحة الحقد الدفين، فإنه سيكتب ويقول: «كل هذا شيء جيد، ولكن لماذا لا تقود المرأة السعودية السيارة»، فتجاهلوا هذا «العطوان»، وأمثاله من مرتزقة الإعلام الرخيص!!.