سعد البواردي
قوارير
173 صفحة من القطع المتوسط
محمد الجلواح
- القوارير «جمع قارورة» والقارورة وعاء زجاجي قابل للكسر.. ومنه اصطفى شاعرنا عنوانا له.. وشَبَهاً لقواريره آخذاً بالمثل القائل «رفقا بالقوارير» - أي رفقاً بالمرأة المرهفة الحس.. والوجدان كي لا يُخدش حياؤها.. وتنكر نفسيتها ورقّتها..
ماذا عن الديوان؟ بل ماذا عن مقدمة الديوان.. للمرة الأولى اقرأ مقدمة نثرية دلالية بحجم الشعر ذاته.. وللمرة الأولى يقدم شاعرنا خدمة مجانية لمن تملكته الحيرة كي يختار اسماً يسمي به طفلته المولودة.. سيجدها بين يديه متاحة ومباحة دون عناء.. ادعُ المقدمة لشأنها.. وأبحر معه في بحر الشعر الوجداني الذي سرعان ما يأخذني إلى المرفأ دون عناء.. لقد اختار الإيجاز.. وحسناً فعل..
بداية مع «زهرة» صبيحة يوم عيد لا يخلو من شوق:
مزجت الأماني بالتهاني أشوقها
إليكِ لهذا العيد في مركب العطر
وكمن يعتذر أن لا شيء جديد في تهدئته:
وأرسله ذا العطر كالناقل الذي
يقوم بإهداء التمور إلى (هجر)
وهَجر هنا الأحساء الغنية بنخيلها لا بهجرها.. زهرته التي اشتمها شعراً كانت هي العيد بكل جمالياته وتجلياته:
واعلم أن العيد أنت جماله
فيأسرني هذا الجمال.. ولا أدري
إنه يتسلل إليه.. ويتملكه دون مقدمات.. أخيراً يغرق في بحر عينيها بعد أن استفاق من غيبوبة حلمه اللذيذ:
واغرق في عيدين. عيدكِ والهوى
فيا غرقاً خذني إلى آخر العمر
أمامه كما أمامنا بحور.. ومعشوقات كالحور.. تكاثرت ظباؤه عليه وعلينا فما يدري أيها يصيد:
اترك «جورجيت» و»نوال» لشأنهما.. فالمحطات كثر.. والمساحة المتاحة لا تحتمل الإكثار..
هذه المرة مع «فوزية» انه أشبه بمن يعرفها على نفسه.. يريد لها أن تعلْمَ:
فلتعلمي اني بحبك شاخص
نحو النجوم.. وان بدت لي أبعد!
لماذا يا عزيزتي تشخص نحو النجوم.. أنت بهذا تثير لديها الغيرة.. وربما الجفاء.. الأقرب إلى القلب أولى بالمعروف.. ألست القاتل؟!
ينتابني شوق إليك يشدني
لا يعتريه نوى وان طال المدى
هذه المرة يدور هيامه حول بدور..
بدور الحب. حبك قد تسامى
وسامرني بليلي والنهار
دعاني للغرام فقلت اهلا
بحب جاء بعد انكسار
في شطر بيتك الأول تكورت مفردة الحب وليست مأخذا.. يحسن ان يكون وَجدك.. أو عشقك أما الحب بعد الانكسار فيصعب جبره كالقوارير.. لا تصدق ان لا حب إلا بعد عداوة.. انه حب مصطنع لا يقوى على الاستمرار..
هذه المرة تاه فؤاده بين الثرى والثريا.. اهتدى أخيراً إلى الثانية
ركضت على الثرى ابغى حبيبا
فأرشدني فؤادي للثريا
لا مجال هنا للحيرة.. ثرياك التي تردد اسمها في جنون هي نبتة هذا الثريا.. وومضة كل ثريا.. ومن ثرياه إلى فاطمته تأخذنا النقلة عبر أخيلة ألف ليلة وليلة
فديتك بالروح يا فاطمه
فأنتِ المنى.. واليد الناعمه
أحبك قبل اللقاء الذي
سيوقظ نفسا مضت نائمة
عجيب أمر حبك يا عزيزي.. كل هذا الوجد والافتتان عن بُعد.. لقد ذكرتني بمجنون أم عمر الذي هام في حبها على السماع كي ترد عليه فؤاده وبكاها على السماع أيضاً.. ثم اليد الناعمة يحسن استبدالها بالرؤى الهائمة احسبها أفضل.
حال نسرين لا يختلف كثيرا عن حال ثريا التي نثرت بروحه طيبها فأصابته بالجنون إلى درجة ان فؤاد ذاب لصوتها.. هذا يا شاعرنا المتألق لا يكفي لقصة حب سجين..
«نجلاء» واحدة من معشوقات حبه قال عنها:
نورس في السماء والأرض بحر
وإلى النور الجميل أطير
جئتها عاشقا. وحر في سبيل
راح يشدو بلحنه ويسير
استحسن يا عزيزي كلمة دليل بدلا من سبيل كي لا يصاب البيت بالتوهان
أتجاوز بعضا من مقطوعاته بحثا عن مستجداته.. استوقفني عنوان خنساء:
خنساء يا نجمة النهرين والعرب
ونخلة من رياض الشعر.. والأدب
نقشت في مشهد الأحلام صورتها
مغروسة بين جفن العين والهدف
أبيات تغريك لجمالياتها
سمت بروحي.. وعانقت السحاب
في عليائها وحدي هارون يهتف بي..!
ماذا قال هارون الرشيد يا شاعرنا؟!
انا حفيف لسعف النخل من هجر
أرنو لخنساء في قلبي ومنقلبي
في القلب نعم.. وفي المنقلب لا.. بعد نور الخلافة الأموية وما أعقبها من ضعف وانكسار واندثار بقي الرماد بعد أن انهزمت النار.. لا شيء بعد هذا يا شاعر هجر إلا الهجر لتاريخ لا يستحق الذكر.. شاعرنا الجلواح طرح أسئلته الوجودية:
تبت بداخلي روحا
فتغفو الروح وردية
ونرقص في دمى شوق
بأغنية خليجية
رأت من خافقي حرفا
وأسئلة خرافية
ماذا يقصد دليل استراحتنا؟!
فأمطر صوتها سمعي
وأصغى للحساوية
وقد حارته على فلق
بأسئلتي الوجودية
أينها تلك الأسئلة الوجودية؟ لم أجدها.. لقد احترت على قلب بأسئلتك الغير موجودة.. «رابحة» عنوان له نكهة شهية اسمها الربح..
رآكِ فؤادي قبل عيني فأشرقت
شموس بروحي.. لا تغيب وترقد
الشمس يا شاعرنا لا ترقد إنها ساهرة وساحرة في فلكها.. نحن الذين نرقد.. أبدل الشموس
بالحياة يستقيم المعنى..
بربك هل أمضي بشوقي وقصتي
واعزفها لحنا يرن وينشد
حملت معي عشق النخيل بخافقي
إليكِ ولا شيء سوى النخل يشهد
نعم النخل يشهد.. ولكن لا يبوح بسره لأحد
«فريدة» أحسبها فريدة في صياغتها وحبكتها..
فديتكِ تشرقين على الروابي
فديتكِ ترقصين على القصيدة
رِهاني في الثناء عليك روح
تمور مودة تحيا جديده
إلى أن يقول:
يشع بهاؤك المصري شمسا
على الدنيا وان كانت بعيدة
دعي سود العيون تقول شعرا
لترجع كل آمالي الشريدة
تغني. والقلوب لها تغنى
وتنبض بالمحبة يا (فريدة)
الشموس في شعر فارسنا أشبه بالقاسم المشترك الأعظم في قصائده..
تسترجع به الذكريات وتأخذه معها إلى عاصمة الرشيد التي لم تعد عاصمة الخلافة الأموية التي لا تغيب عنها الشمس.. يقول
سافر الحرف بإبداع الآلى
نحو بغداد. وما بعد السواد
هام في كل عراقي وهل
غيرهم في الفن من أعطى وجاد
آه يا بغداد يا حلماً سرى
في دمي.. والشوق يمضي في ازدياد
دمدم الحزن.. وطالت غربة
عنكِ يا أغلى ينابيع الوداد..
هكذا رثى نفسه وقد انحسرت شمسها.. وانكسرت مجاديفها بأيدي الغزاة.. أعداء الحياة.
أخيراً.. مع شهرزاد.. يأخذنا شاعرنا إلى حيث تنتهي الرحلة:
ماذا أقول لشهرزاد
وقد نأت عنا بعيدة
وايميلها حلم العيون
ووصلها الدنيا جديده
وحروفها طب الفؤاد.. وبهجة الروح الكميدة
مولاي تكتبها فترشدنا
إلى دنيا رشيدة
وخيالها فوق القراطيس التي تبدو سعيدة
أنا شهر بارك يا شغاف القلب يا أحلى قصيده
أقول له.. ولها كانت رحلة شعرية لذيذة مع شاعر حب لذيذ لم ييأس هو.. ولم تنكسر قواريره.