سعد البواردي
وُلد بحلم جميل كما هي حال كل مولود يخرج من رحم الأم إلى رحم الحياة.
هو الوليد الوحيد لوالديه.. عليه تعلّق كل الأماني.. أخذته أعوامه المبكرة مشبوبة في خفقاتها ونبضاتها من خلال روح شابة ترسم صورة وردية إطارها المستقبل الوردي الحافل بكل جميل.. شب عن الطوق.. استوى عوده.. وبدأ الإعداد لما سيأتي به العمر المجهول من مفاجآت غير محسوبة ولا منتظرة.
أولها وهو في رحلة مع زملائه إلى ماليزيا انقلبت الحافلة التي تقلهم إلى جانبها الأيمن، حيث تواجده.. تدافعت من حوله أجساد الشباب المذعورين.. تحمَّل بجسده البض شيئاً من الحمل الذي لا يقوى على تحمّله.. والكثير من الوجع والفزع الذي أثقل جسده.. نجا بأعجوبة.. وبقيت آثارها داخل نفسه تقض مضجعه.. وتسلمه إلى القلق.
ثانيها.. وكانت الأكثر صدمة يوم أن تعرّض لحادث سير ألحق به بعض الأذى الجسدي.. والنفسي أبعده عن الدراسة.. شعر خلالها بحجم الخسارة التي ينوء بثقل حملها شاب طموح يرى المستقبل على غير ما يشتهي.. ويتمنى.. وهو يتمثل تراجيدياً حياة تسكنها المفاجآت المرّة المروّعة.. أحس بالفراغ القاتل يلتهم جسده بالنحول.. وأمله بالأفول والذهول.. حاول تجاوزه بشيء من الصبر والتجلّد... إلا أن الجرح في داخله كان الأقوى من طاقته.. واستطاعته..
فيصل الشاب الهادئ. الوديع البار بوالديه وهو يعيش التجربة القاسية بالكثير من الإيمان والصبر لم ييأس من رحمة الله.. ما زالت بقايا من الحلم الوردي تدغدغ مشاعره وحواسه.. وذات يوم وهو إلى جانب والده النبيل عبدالعزيز المرشد في جولة خارج المدار يُسري بها عن فلذة كبده وهما يتبادلان الحديث.. سقط فيصل سقطته الأخيرة وبشكل فجائي وغير منتظر..
كانت سقطة النهاية كشاب في بدايات العقد الثالث من عمره.. تاركاً لأبويه وشقيقاته الثلاث.. ولأحبابه وأصحابه لوعة الفراق.. ومرارة الأشواق.
كان لفجائية موته بكائية ندب.. وعاصفة حب حزين مشبوبة لشاب عاجلته المنية.. كان وديعة ربانية استردها الله إلى جواره مثل الكثيرين من خلقه وفي مثل عمره..
يرحمه الله رحمة واسعة.. والعزاء لوالده ووالدته وشقيقاته ولأقربائه وأصدقائه المكلومين بفقده.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- سعد البواردي