د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي تفضل بها- حفظه الله- يوم الثلاثاء الموافق التاسع عشر من هذا الشهر حُزم مستمدة من عقيدة صافية تحمل في مضامينها شموخ قيادة، وتباشير مستقبل سموق، وفي جوانب تلك الكلمة الضافية نحتفي برؤى ملك مُلهم في وطن شامخ، إيمانا وثقة بالله عزّ وجل،
ثم بعزائم قيادة تألف القيم، وتشعل جذوة الحياة، وتنمّي بذور الإصلاح والصلاح، وأشرق في بلادنا المنهج المستند إلى عقيدة الإسلام الصافية صفوفا فريدة من المشاعل التي تنير العقول والأبصار بما يسكب ذلك المنهج من رؤى منتقاة من واقع إيماني حقيقي لبلاد احتضنت فوق ثراها مقدسات، وآزرت في سبيل ترسيخ العقيدة طروحات، وأقامت منصات، وتدفّقت خيراتها في مشارق الأرض ومغاربها.
إن في ذلك الثبات على المبادئ وانطلاقه من المنهج الإسلامي في بلادنا جملة من الاستبصارات جديرة بالوقوف عندها، والحديث عنها بتفاصيلها للأجيال الحاضرة والقادمة؛ وأن تشتعل الأقلام بأنوارها لتضيء دروبهم بحكايات عن المكتسبات التي توالت وما انزوت يوما؛ وبروايات مخضلة عن ثنائية تشكيل المكان والمكانة بالمصحف والسيف.
أشارت إلى الدنيا بإصبع هيبة
لها الحق ردء والعقيدة وازع
وبينهما قامت على العدل دولة
تشير إليها بالخلود الأصابع
وبقول عن هام السحب الذي وقف له العالم مقدّرا يعقد معه وثائق متصلة من العلائق الشماء التي حاكتها حكمة القيادة، وصدق الوعد والعهد؛؛؛
بلادنا تلك الرقعة الممتدة في قلب صحراء تتوسل المياه من القيعان البعيدة ما لبثت أن أصبحت ألوانا براقة من المنجزات الخضراء النامية، تمتزج مع نسيج من حدب وإخلاص وقوة ضاربة في الحكم تُستطاب مراكبها وتشتعل فيها شموس الحياة؛؛؛
نعم الحقيقة الجلية أن قيادتنا الرشيدة سارت على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فتربعت على متون عكست مراياها واقعا مشرقا لا يأفل ضوؤه:
قال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ. قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (سورة الأعراف آية32).
إن ذلك المستراد الإيماني الذي تسير عليه بلادنا وقادتنا أحاطه إحكام العزم والعزيمة، والنأي عن التعقيد في الاستفادة من الآخر للالتقاء والتقاط جذوات متممة للحياة الكريمة، ونمت مع ذلك مظاهر الاعتزاز بالدين، والتعهد بحماية مصادره بعد الله والمحافظة على مقدساته فأتاح ذلك فضاءات واسعة للتفكير، والارتواء من مناهله، وطفقت الأجيال تتسابق إلى اتباع النماذج المضيئة، وثبتت عندهم فكرة ترابط السابق باللاحق، حيث إن قوة الإيمان توقد في أذهانهم مبدأ التماسك، واتصال الحكم بالله، وتدفق السلسبيل المخصب للفكر التنموي، والرافد الحضاري والسيادة العادلة التي مكّنت وطننا من تحقيق التطلعات، وبلورة الأحلام إلى حقائق:
وهنا لن أتحدث عن الخبرة المعرفية في مجال العقيدة والشرع؛ فمع إيماني العميق بأن لله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وأن عقيدتنا هي منطلق لكل سبيل قويم ننتهجه ونسير عليه إلا أنني لا أدّعي المعرفة التامة في تلك العلوم سوى التأكيد المطلق أن الميثاق العظيم الذي اتّحد في عهود ملوكنا منذ عهد المؤسس رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين- حفظه الله- هو ميثاق العقيدة الصافية؛ وأن المنجزات الوطنية والحضارية، وإن تلوّنت أو اختلفت مشاربها قد تلبّست بالقيم الإيمانية منذ تأسيس لبناتها؛ وصياغة وثائقها إلى أن أشرقت وأعلن عن مسالكها، وسبل الاستفادة منها.
والخلاصة أن لكل عهد إضاءات أرى أهمية توثيقها للأجيال ليروا الامتداد العظيم، ويحسنوا تشكيل زمنهم، وتنظيم أنفسهم وفق متطلبات تلك الأزمنة المورقة بإذن الله؛ فلكل عهد تاريخ وعقيدة سامقة ممتدة.
بوح في ذات النافذة، يقول الشاعر محمد إقبال:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين
فقد جعل الشقاء لها قرينا
تساندها الكواكب فاستقرت
ولولا الجاذبية ما بقينا
وفي التوحيد للأمم اتحاد
ولن نصل العلا متفرقينا