إبراهيم عبدالله العمار
ماذا يحوي الكون؟ إذا تلفّت حولك ورأيت الأرض والقمر والشمس والبحار، وإذا اطّلعت على الصور ورأيت المجرات والنجوم والكواكب والتي لا تكاد تُعد، فإنك ترى كوناً هائلاً مليئاً بالأجرام والأجسام والأشياء المرئية المادية، غير أن غالبية الكون فارغ. ولكن هذه الكلمة ليست دقيقة، فالكون ليس «فارغاً» بالمعنى المعروف أي لا يحوي شيئاً، بل إنه يحوي شيئاً ضخماً.. هائلاً.. شاسعاً.. لا يُرى في الصور التي تلتقطها الكاميرات والمقربات، لكننا نعلم أنه موجود. هل تعلم ما هذا الشيء الذي يعبئ الكون ولا نراه؟ إنه الظلام.
إن كل الأشياء المحسوسة – مثل الكواكب التي نعيش عليها والنجوم التي تضيء سماءنا والأقمار التي تطوف حولنا – لا تشكل إلا جزءًا ضئيلاً من الكون، وستتعجب إذا علمتَ أن كل ما في الكون من أشياء محسوسة لا يشكل إلا 4% فقط من الكون! إذاً ما هو الباقي؟ ليس فراغاً، بل هو ينقسم لقسمين: الأول شيء اسمه المادة المظلمة، والثاني هو الطاقة المظلمة.
المادة المظلمة: رغم أنها مشوبة بالغموض والحيرة حتى بين العلماء إلا أنها أقل غموضاً من الطاقة المظلمة لأن آثارها أبرز، وظهرت المادة المظلمة على خريطة العلم لما رأى العلماء ظواهر وأشياء غريبة لم يعرفوا سببها، فبالمناظير المقربة (التلسكوب) يرون الكواكب والشموس والأقمار تتحرك تحركات شاذة تخالف مسارها المتوقع، وأنكر العلماء هذا لما رأوه وتعجبوا منه، وتدريجياً أتت نظرية المادة المظلمة، فرغم أنها لا يمكن رؤيتها ولا لمسها إلا إن لها جاذبية، وآثار هذه الجاذبية هي التي يرى العلماء أنها تفسر الظواهر التي حيرتهم مثل انحراف أشياء عن مسارها وتحركاتها التي تخالف الحسابات. هذه المادة تشكل 21% من الكون.
الطاقة المظلمة: أكثر غموضاً، ولا زالت مجرد فرضية، لكنها أكثر فرضية قدرة على تفسير توسع الكون. عام 1998م اكتشف العلماء أهم حدث فلكي في العقود الماضية: الطاقة المظلمة تُوسع الكون بتسارع هائل لا يزداد إلا قوة. كنا نعرف عن توسع الكون منذ عقودٍ سالفة، تحديداً منذ عام 1927م عندما كتب العالم البلجيكي جورج لوميتر رسالة وضع فيها فرضية توسع الكون، وتوالت الاقتراحات والتحسينات على هذه الفكرة حتى صارت الآن من أسس نظرية الانفجار الكبير التي يعتقد العلماء أنها يمكن أن تفسر وجود الكون، والعلماء يرون بالمناظر أن المجرات لا تزداد عنا إلا بعداً، وأتت هذه النظرية لتفسر هذه الظاهرة، أي أن هناك طاقة غير مرئية تدفع بالكون أن يتوسع وتجعل المسافات بين المجرات تتعاظم بشكل لا يتوقف. الطاقة المظلمة تشكل 74% من الكون. ومن الحقائق الظريفة أن هذه الطاقة المظلمة لها وزن: إن مكعباً طول الضلع الواحد فيه 400 ألف كم يحوي نصف كيلو من الطاقة المظلمة!
الظلام يحيط بنا، لكنه ظلامٌ ليس كالظلام: إنه ظلامٌ له وزن، وأثر، وقوة.