مساعد بن سعيد آل بخات
إنَّ أولَ كلمةٍ من الوحي الذي نزل به جبريل عليه السلام على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هي {اقْرَأْ} ولهذا الأمر دلالة عظيمة على أهمية القراءة على حياة المسلم بشكلٍ خاص, وعلى حياة الناس بشكلٍ عام.
ولكن..
عندما ننظر إلى حال معظم الناس في مجتمعنا فإننا نجد فئةً قليلةً منهمكة في الكتابة والقراءة لإفادة أنفسهم ومجتمعهم, فلذلك نجدهم عندما يتحدثون ننصت لهم, بل ونستمتع بحديثهم لأنهم يتحدثون عن علمٍ بالشيء من خلال قراءتهم للكتب والصحف وغيرها.
ونجد في الجهة المقابلة الفئة الأكثر بعيدةً كل البعد عن القراءة, فلذلك عندما يتم النقاش عن موضوعٍ ما في أحد المجالس تجدهم يتحدثون عن جهل أو يصمتون, وفي كلتا الحالتين تجد حضورهم من عدمه غير مفيد بالنسبة للحاضرين.
إلا أننا قد نرى إقبالاً شديداً على معرض الكتاب من الرجال والنساء, مع العلم بأن فترته لا تتجاوز عشرة أيام, ويقام مرةً واحدةً في السنة.
وهذا الأمر في حد ذاته يُعد أمراً إيجابياً في نظر الكُتَّاب والقُرَّاء ووسائل الإعلام.
ولسان حال الواقع يقول إن أهدافهم مختلفة من حيث:
أولاً/ سبب المجيء: (القراءة- التنزه- التعارف- حضور المؤتمرات والندوات.. إلخ).
ثانياً/ نوعية الكُتب المُختارة: (دينية- تربوية- تعليمية- رواية- قصص.. إلخ).
وعند الحديث عن القراءة يتبادر في ذهني سؤالين وهما: ماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟
وللإجابة عن السؤال الأول (ماذا نقرأ؟) أقول:
أولاً/ إنَّ طريقة انتقائك للكُتب تدل على مدى فهمك ووعيك للمواقف الاجتماعية التي تحدث من حولك.
فمثلاً..
إذا أخطأ شخص ما في حقك, فبلغة (المنطق) أن ترد عليه, أما بلغة (الحكمة) من خلال التعمق في قراءة سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ستصفح عنه وتسامحه.
ثانياً/ كما أنَّ طريقة انتقائك للكُتب تدل على مدى قدرتك على التأثير فيمن حولك إيجاباً أو سلباً.
فمثلاً..
قراءتك في كتب تطوير الذات ستؤثر عليك وعلى من حولك إيجاباً, لأن الفائدة تتحقق من خلال الثقة بالنفس وتحديد الأهداف وتحفيز الهمة والسعي نحو القمة.. وهكذا, أما قراءتك في كتب الروايات فإنها ستؤثر عليك سلباً من حيث ضياع الوقت وقلة الفائدة.. وهكذا.
لذا..
فإنك حينما تستغل وقتك وتستثمر عقلك في قراءة المفيد, فإنك قد حققت الهدف المرجو من وراء هذا الجهد المبذول.
(فالتطور الحضاري) في أي بلد بحاجةٍ إلى العِلم والمعرفة, والعِلم والمعرفة لا تتحققان إلا (بالقراءة).
وفي ذلك الأمر سُئِلَ مؤسس الفلسفة الواقعية أرسطو: كيف تحكم على الشخص؟ فقال: أسأله ماذا يقرأ؟ وكم كتاباً يقرأ؟
وفي مقالة شهيرة لجون ملتون كَتَبَ عن قراءة الكتب: (كتُب التاريخ تقوي بصيرتنا, وكتب الشعر تَجعلنا سريعي البديهة, وكتب العلوم الرياضية تُمكِننا لأن نكون أكثر دقة وحذاقة, وكتب الفلسفة تجعلنا أكثر حكمة ومتانة في التفكير).
وللإجابة عن السؤال الثاني (كيف نقرأ؟) أقول:
أولاً/ ينبغي أن يوجد لديك الرغبة والدافعية بأن تقرأ, وتحصل عندما تجد كتاباً يناسب ميولك فتستمتع به.
ثانياً/ خذ وضعاً جسمياً مريحاً عند القراءة, لأن وضعية الجلوس تؤثر على عمل الفِكر.
ثالثاً/ أَرِح بصرك عن قراءة الكتاب بين الحين والآخر.
رابعاً/ اختر مكاناً مناسباً للقراءة, من حيث (الهدوء والإضاءة المناسبة والتهوية الجيدة).
خامساً/ خصص وقتاً مناسباً للقراءة وأنت في كامل نشاطك الذهني لأن الإرهاق عدو التركيز.
سادساً/ بعد قراءة كل وحدة لخِّص الفوائد في ورقة خارجية, لكي يسهل عليك الرجوع لها.
سابعاً/ احرص على ألا تقطع قراءة بعض الموضوعات التي تكون مترابطة لأن ذلك سيؤدي إلى عدم فهمها.
ثامناً/ اقرأ بنقدٍ وتمحيص, لأنه ليس كل ما يكتب قد يكون صحيحاً ومناسباً لعقيدتنا وأفكارنا وتراثنا, فما يناسبك خذه, وما لا يناسبك رده.
تاسعاً/ لا تكن قراءتك لمجرد قضاء وقت الفراغ فقط, فلا بد من أن تتحصل على الفائدة من القراءة.
عاشراً/ يفضل البعض قراءة (الكُتب النادرة), ولكن الأفضل من ذلك وجود (القارئ الجيد).
وأخيراً.. إذا لم تكن كاتباً تفيد غيرك, فكن قارئاً تفيد نفسك.