فهد عبدالله العجلان
حين أعلن الرئيس باراك أوباما فتح صفحة جديدة من العلاقات الأمريكية الكوبية وقال باللغة الإسبانية (نحن كلنا أمريكيون)، اعتبر المهووسون بشعارات الشيوعيين واليسار ذلك الإعلان بمثابة الانتصار الساحق، لست بصدد الحديث عن البعد السياسي لهذا التقارب لكن أحد من أولئك (الشعارتيين) لم يتساءل ولم يبحث في طبيعة الصمود الكوبي وهل كانت الشعارات هي العامل الحاسم في الصراع أم شيء آخر؟ الدارسون لتجربة كوبا يدركون دوراً هاماً وأساسياً لقطاعي التعليم والصحة وكيف استطاعت كوبا التركيز عليهما لتهيئة مجتمع قوي ساهم في جعل كوبا رغم الضعف في جوانب كبيرة قادرة على تخطي الحصار الاقتصادي طيلة تلك العقود.
اليوم ونحن نشهد في المملكة العربية السعودية إعادة بناء وهيكلة جديدة للقرار الاقتصادي ومؤسسات الدولة المعنية بالشأن التنموي والاقتصادي فإننا نتفاءل بدور محوري لمجلس الاقتصاد والتنمية في هذين القطاعين الاستراتيجيين، ويعزز هذا التفاؤل أن يتسنم دفة هاتين المؤسستين وزيران لهما خلفية جيدة في القطاع الخاص الذي يؤمل منه اليوم دوراً أكبر في رفع العبء الإداري والاقتصادي عن كاهل الحكومة.
بناء الكيانات الاقتصادية التعليمية والصحية الكبرى بات اليوم أولوية ليس فقط من أجل تقديم خدمة تمثل حقاً أصيلاً للمواطن، بل من أجل تحقيق الكفاءة التي تمنح الاقتصاد السعودي بأكمله وقود المنافسة في عالم يتسارع بوتيرة لا تستطيع المحركات البخارية التقليدية اللحاق به، الرؤية الجديدة تستلزم تقييماً دقيقاً للعائد الاقتصادي والتنموي بمفهومه الشامل لكل ريال يتم إنفاقه في ظل توسع كبير لحجم السوق، فعلى سبيل المثال يتوقع حسب بعض الدراسات أن يزداد الطلب على الأسرة في المستشفيات في المملكة إلى 70 ألف سرير بحلول عام 2016م. والحقيقة أن التطوير في مجال الرعاية الصحية أشمل من مجرد تقديم الخدمة العامة بل يتجاوزه إلى المستشفيات المتخصصة في الأمراض المنتشرة والمراكز التي تتجه لمحاصرة السكري وأمراض القلب والسمنة والصحة النفسية بل وحتى شركات الأدوية والشركات المصنعة للأجهزة الطبية التي يمكن تحقيقها من خلال شراكات دولية استراتيجية، بالإضافة إلى بناء نظام شامل للمعلومات الصحية الوطنية. وهذا بلا شك سيكون الأساس لنظام تأميني الزامي صحي متكامل وفاعل.
القطاع التعليمي هو الآخر يمثل اليوم تحدياً كبيراً في ظل توسع الإنفاق الحكومي الذي لا بد لمواكبته المرحلة من وجود قطاع خاص ناضج وقادر على أن يحمل جزءاً هاماً من العبء الحكومي، فالمشكلة الأساسية في القطاعين الاستراتيجيين التعليم والصحة ما تزال هي، تنفيذ المشاريع وصيانتها والمحافظة على أصولها الوطنية بالكفاءة التشغيلية ومن أجل ذلك لا بد من إنشاء شركات وكيانات كبرى تحمل هذا المسؤولية غير المرتبطة بتقديم الخدمات. هذه الشركات ستساهم في تحقيق الكفاءة الاقتصادية لتتفرغ الوزارتين للنهوض بخدماتها الأساسية بشكل كبير. وأعتقد أن ثمة تجارب سابقة على الصعيد المحلي في هذا الإطار فالمؤسسة العامة للتقاعد أنشأت شركة مستقلة للتطوير العقاري هي من يضطلع بتنفيذ مشاريع المؤسسة ولعل أبرزها حاليا مركز الملك عبدالله المالي.
التطوير النوعي والشامل لقطاعي التعليم والصحة يستوجب تطوير مناخ الاستثمار وتشجيع رؤوس الأموال واستقطاب استثمارات نوعية تساهم في تلبية الطلب في سوق ضخم متنام، مثل هذا المناخ سيساهم بتفعيل دور القطاع الخاص وقدرته على بناء شراكات دولية تملك الخبرة والكفاءة.. هذه مجرد رؤية أعتقد أن لدى الوزيرين والمختصين في القطاعين ما هو أكثر وأنجع لتطويره من أجل اقتصاد سعودي بات النظر إليه اليوم أكثر من مجرد رعاية وإنفاق حكومي ريعي..
والله ولي التوفيق.