عبدالعزيز السماري
لا يختلف اثنان أنه يجب تقدير أصحاب الإنجازات، والأمم المتطورة تقدر مبدعيها، وتجعل منهم رمزاً للأجيال القادمة، ومنذ قرن من الزمان بدأ الإنسان يعي أهمية الإنجاز العلمي، فخرجت منظمات عالمية تمنح الجوائز للذين سخروا حياتهم من أجل تطور البشرية وإسعادها وتحفيف آلامها، ولعل جائزة نوبل لمختلف العلوم الأشهر من بينهم، ولازال نصيب العرب في الجوائز العلمية أقرب للصفر، ولم يفز عربياً يمارس البحث العلمي في وطنه بالجائزة، وذلك لا يعني على الإطلاق القصور الذهني للعقل العربي، فالمهاجرون العرب من العلماء نالوا التقدير الإنساني لإنجازاتهم العلمية، وقد يعكس ذلك الحالة غير العلمية لبعض أجواء الأبحاث في الأوطان العربية.
المفارقة أن الإعلام العربي في عقوده الماضية اعتاد على تقديم إنجازات غير موثقة لأشخاص غير معروفين، ولو صدق ما تم نشره، لنالوا الجوائز العالمية للإنجاز العلمي، لعل أشهرها ما أعلن في 22 فبراير الماضي عن نجاح الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية عن ابتكار علاج جديد للمصابين بفيروسي «سي» و»الأيدز» من خلال كبسولات تعمل على رفع كفاءة الجهاز المناعي للإنسان، إلى جانب جهاز «سي سي دي» للقضاء على الفيروسات من النوعين، وكان التلفزيون المصري بث تقريراً ظهر فيه مخترع الجهاز يفحص مريضا بواسطة الجهاز، ويبلغه:
«تحاليلك زي الفل قدامي، وكان عندك إيدز وراح»، وفي اليوم التالي صرح مخترع الجهاز، ثقوا أننا هزمنا الأيدز، ولم ولن نستورد في يوم من الأيام علاجًا للأيدز.
المفاجاة أن الإنجاز المزعوم لم يرافقه أي توثيق علمي في المجلات العلمية الطبية، ولكن كان أشبه بالبروباجندا الإعلامية التي هدفها التلاعب بعقول السذج، وإيهامهم بأنهم قادرون على تحقيق الإنجاز العلمي الذي سيخرج البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة، بينما يدرك العلماء الحقيقيون أن ما حدث كان دعاية إعلامية غير محبوكة، ومن السهل إدراك حقيقتها من خلال بحث علمي بسيط في أحد المحركات العلمية.
وقعت بعض وسائل الإعلام السعودي في فخ الدعاية الإعلامية لإنجازات وهمية وغير موثقة، تكاد تكون أشبه بالأحلام التي لو صحت لنال صاحبها جائزة نوبل لخمس سنوات متتالية، وكان الخطأ الإعلامي سببه تلوثه بتقاليد بالية من فلسفة الإعلام العربي القديم، والذي كان يعتقد أن بث مثل هذه الإنجازات الوهمية ترفع من أسهم الحكومة عند مواطنيها، بينما تأثيراتها في حقيقة الأمر سلبية للغاية على الوطن، فالمرجعيات العملية تدرك أنه إنجاز مزيف، وأن الشخص المدعي أيضاً ليس له علاقة بالتخصص العلمي، مما يؤثر على مصداقية الجهاز الإعلامي العربي في المستقبل، وقوعه في مأزق تزييف الوعي.
لعل الغائب الأهم في معمعمة البروباجندا الإعلامية المزيفة، هيئات علمية تراقب إستغلال الإعلام في نشر أوهام علمية للوصول إلى أهداف ذاتية، ومن المفترض أن تقوم بدورها الرقابي، وأن ترفع قضايا ضد إستغلال الإعلام للادعاءات المزيفة، وأن تتم محاسبة من ينشر أخباراً عن إنجازات علمية غير موثقة أو ادعاء حصوله على جوائز أو زعم ترشيحه لجوائز عالمية، وأن تفرض عقوبات حاسمة على كل شخص يدعي شيئاً غير صحيح، أو يحاول استغلال الأمية العلمية في الإعلام والمجتمع.
لن أحتاج لطرح أمثلة محلية للاحتيال في الوطن، وذلك لكثرتها وحساسية الموقف، وقد كان أشهر المحتالين في الاقتصاد وتعتمد أساليبهم على إيهام الناس أنهم يحققون الثروات المالية، بينما هم يمنحون المدخرين فوائد عالية من أموال المدخرين الجدد وهكذا، لكن المرجعيات المالية الرسمية استطاعت تشخصيها مبكراَ، ثم النيل منهم، ومعاقبتهم، واسترداد حقوق الناس، لكن المحتالين العلميين لازالوا يسرحون في الميدان، ويستغلون غياب دور المرجعيات العلمية في الكشف عنهم، وفضحهم أمام المجتمع، وذلك لحماية الناس من استغلال ظروفهم.
ما أطالب به أن يلتزم الإعلام السعودي برسالته التنويرية، وأن لا يكون قناة لخروج مدعي تحقيق الإنجازات الوهمية، وأن تطالب المؤسسة الإعلامية مرجعيته العملية والعلمية بتقديم الإثباتات العلمية، إذا تقدم أحد منسوبيها بخبر عن إنجاز علمي، على أن تراجعها هيئة علمية قبل إعلانها، وبالتالي يتم إغلاق أسهل باب للانتشار والشهرة من خلال ادعاء أنه «جاب» العيد» للوطن، بينما هو في حقيقة الأمر جاب خيبة الأمل للوطن من خلال ادعاءاته المزعومة وغير الموثقه علمياً واستغلاله للرغبة الوطنية الشديدة في تحقيق الإنجازات العلمية، والله على ما أقول شهيد.