فهد عبدالله العجلان
حين كنت طالباً في المرحلة الابتدائية في وسط مدينة الرياض، وتحديداً في مدرسة حسان بن ثابت الابتدائية، كانت توجد لوحة معلقة في جدار المدرسة الداخلي تشير إلى أن العقل السليم في الجسم السليم، وأن النظافة من الإيمان، ورغم طول السنين لا أزال أتذكر تلك اللوحة لسببين، الأول: أني كنت أتمنى أن أكون الصبي الصغير المعلق في تلك اللوحة، والذي قدمته لنا المدرسة كطالب مثالي، والثاني، أنها البذرة الأولى التي غرست في ذهني بعد أن أصبحت طالباً في الاقتصاد والإدارة حجم الترابط بين الصحة والتعليم والرياضة، باعتبارها شروطاً أساسية للتنمية المستدامة!.
حين استغرقت في دراسة الاقتصاد والإدارة، أدركت أن التعليم والصحة ركنا الزاوية في ذلك المصطلح الرنان، الذي يصدح به الاقتصاديون والمؤسسات الدولية صباح مساء «التنمية المستدامة»، وأن كل نموذج دولي أصبح مثالاً فيما بعد للعالم لم يكن سوى بذور نوعية في هذين القطاعين تحديداً.
فالدراسات المتخصصة على سبيل المثال أثبتت العلاقة القوية بين التنمية والنمو في دول النمور الآسيوية، وحجم الاستثمار النوعي في مجالي التعليم والصحة.
رطانة الاقتصاديين، غالباً ما تضيع فرص التواصل مع المجتمع وحتى النخب منه وصناع القرار في تحديد الأولويات وخارطة المعالجات، فكثيراً ما نسمع عن هدف تنويع مصادر الدخل، والخطط التي تستهدف تحقيقه، وقليلاً ما نسمع أن التعليم والصحة هما التربة التي تغرس فيها هذه الشجرة التنموية، وأن عدم تعاهدها بالرعاية والتقييم والتقويم هي السبب الرئيس الذي يخرج الأمم والحضارات من دائرة الفعل، والتأثير في الاقتصاد العالمي.
اليوم، أكتب هذا المقال وقد تؤزر على رأس هذين القطاعين رجلا دولة جاءا من رحم القطاع الخاص، وتنافسية الإنتاج والأداء والتقييم والتقويم، وأتساءل عن دورهما القادم والمأمول في تحويل هذين القطاعين إلى محركات نفاثة في مسار التنمية والنمو المستدام في بلادنا، فقد أصبح هذين القطاعين اليوم حجر الزاوية في احتساب تنافسية أي بلد، حيث يعتمدهما مؤشر التنافسية العالمي ضمن متوسطات مرجحة، بالإضافة إلى عشرة مجموعات رئيسية يقاس بها المؤشر منها التدريب والابتكار والتطوير، بل إن خمسة من الأهداف التنموية الثمانية للألفية والتي اعتمدتها الأمم المتحدة، تتمحور حول التعليم والصحة.
المطلع على خطة التنمية العاشرة اليوم يقرأ أهدافاً كبرى لتطوير العلاقة بين القطاعين العام والخاص، لتقديم مفهوم ودور تكاملي نوعي، لن أستغرق في شرح واقع وأداء هذين القطاعين في بلادنا، لكن أملي أن يتجاوز المستقبل اللافتات والشعارات، وحتى الكيانات التي تسير بالعربات البخارية إلى خطط وكيانات قادرة على التسارع في مواجهة التحديات، فرغم مرور خمس سنوات تقريباً على إنشاء شركة تطوير التعليم الحكومية، مايزال المتابع المتخصص عاجزاً عن الإشارة إلى إنجاز فعلي لها على أرض الواقع. ورغم وجود التشريعات والأنظمة الداعمة والمحفزة للاستثمار في التعليم والصحة من وجهة نظر واضعيها، لاتزال النتائج أقل بكثير من المأمول.. فما الذي يعوقنا من أن نكون بحجم التحديات؟.. وماذا نأمل من الوزيرين الجديدين؟.. هذا ما سأتناوله في المقال القادم بإذن الله!.