د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** غادر ظلَّه فتحررَ من قيودِ ذاته وسافر مع النجومِ علَّه يجدُ مأوىً حرمته منه شموسُ الناسِ وتقلباتُ الهوى، ووجد فيما لا يراه الحالمُ النائمُ أن الصخبَ يعادلُ الصمت والنفيَ يشبهُ الإثبات والحقَّ يختلطُ بالباطل والمنهجة تلتبس بالأدلجة.
** أطلَّ على دنيا مائجةٍ ترتطمُ صخورُها وتضطربُ بحورها، وتستعيدُ ذاكرتُه مآسيَ قرونٍ صالت فيها خيولُ التتارِ والصليبيين والصفويين والقرامطةِ ويهود والعسكر وما تزال تجولُ بأسماءٍ تتماهى فيختلفُ النطقُ ويظلُّ المنطق.
** أدهشه أن تتجهَ سهامُ بني أبيه إلى صدورهم لا صدورِ غُزاتهم؛ فتُوجه إلى الليبراليين مرةً والإسلامويين مرةً أخرى، ويتشظى أولاءِ وأولئك بين تنويري وصحوي وسلفي وإخواني وتحريري وعقلاني وتطيشُ التهمُ مسائلةً فريقًا ومحاربةً فريقًا ومحدثةً أعاصيرَ بين مؤيدي الدولة الدينية والدولة المدنيةِ وعاجزةً عن إعادةِ إنتاج تكوينٍ يجمعُهما كما جمعهما يومًا سببُ وجودِنا ومدى حدودنا وانتماءُ أحفادنا وجدودنا.
** اختلطت الشعاراتُ بالمعلومات والمتونُ بالهوامش والقضايا المفصليةُ بالحكايات التفصيلية؛ أفالغارقون بلجاجِ غطاءِ الوجه مؤخرًا هم من غرقوا بتعليم المرأة وقيادتِها السيارة وإدخالِ التلفزيون والبثِّ الفضائي وسواها، وحين يتحرك المركبُ دونهم في اتجاهاتٍ لم يفطنوا إليها يتوهمون أنه ما يزال في انتظارِ إذنهم كي يبحرَ بقيادتهم، ومع تكرارِ التجارب المتماثلةِ فما يزال الجدلُ مشتعلًا على الشاطئِ والناسُ في عمقِ البحر.
** جِماعُ القضية في غيابِ العقلِ أو تغييبه عن المنتجِ الثقافيِّ الشامل، وهو ما جعل أحد البابوات «القريبين» يزعمُ أن الإسلام لا يعترفُ بالعقل بل بالنقل المتشددِ؛ فجاء ناتجُه التقليدَ والتطرف، ولأنه حكى عن الآن فقد تجاهل حقيقةَ الفكر الإسلاميِّ طيلة عصوره الفاضلة الذي أسسَّ للمنهجية العقليةِ؛ فكان علماءُ المسلمين أساتذةَ الفلاسفة الأوربيين حتى تنازلنا عن أدوارنا بعد سقوط الأندلس في القرن الخامس عشر الميلادي فانتهت عصورُ الظلام الغربيةُ وابتدأت لدينا.
** هل نحتاجُ إلى مركزٍ لدراساتِ العقلِ الوطنيِّ أو عقلنته؛ فالشتاتُ العربيُّ لا يأذن لنا بامتداد الطموحِ نحو بني يعرب الذين يحكم معظمَ أقطارهم جنونُ البغيِ والطائفيةِ والميلشويةِ والفوضى، والعبثُ الذي خلقته وسائط التواصل يخنقُه العقلُ الواعي المتجهُ نحو الغد باحثًا في هموم أجيالٍ من الأطفال والشباب لم تبدأ حياتها بعد ولم ترثْ تناطحَ المؤدلجين وجموحَ المبرمجين.
** مركزُ العقل أو لغةُ العقلنة ستفتح لنا نوافذ حوارٍ مختلفٍ لا يقفُ عند افتراضاتٍ وتجاذبات، وسيقرأُ الثقافةَ بوصفها منتجًا جمعيًّا تعدديًا لا يدينُ لغاربٍ ولا يلتزمُ بقارِب وترتفع فيه راياتُ العلمِ التجريبيِّ والبحوثِ المفتوحةِ والفكر المستقبليِّ المتكئِ على الرؤيةِ والهدفِ والخططِ المرحلية والإنجازات المَقيسة.
** قاد الغربُ العالَم حين دانت له التقنيةُ، وما نزالُ مهمومين بالنظرياتِ الجزئيةِ المجردةِ من البرهان المرجعيِّ والمتمحورِ معظمُها حول الخلافاتِ الماضويةِ فيرتسمُ الرموزُ في اصطفافٍ شعوريٍّ نفتتحُ به الخطابَ ونختتمُه فنحسُّ بخدرٍ لذيذٍ يوهمُنا أننا في عصور الفاتحين.
** العقلُ ظل.