عبدالعزيز السماري
تعتبر الرقابة من بديهيات الإدارة الحديثة، بل أصبحت ضرورة وطنية في مهمة الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وقد ازدادت وتيرتها بعد صعود ظواهر الإرهاب والفتن الطائفية والسياسية، وتنطلق فلسفتها من الحد من الأساليب الفردية في التسلط والاستبداد بالفكر أيا كان مصدرها، أو الترويج لها لدرجة الإخلال بالأمن، لتصبح المسؤولية الفردية جزءاً من المسؤولية الجماعية، وأن الجماعة لها أن تحافظ على سلامتها ان خرج أحدهم عن الناموس الاجتماعي، ثم أخل بأمنها ومعيشتها وسلمها.
ينطبق ذلك أيضاً على المسؤول الذي يعمل دون رقابة إما من المجتمع أو البرلمان أو مجلس الشورى، فشعوره بامتلاك مسؤولية مطلقة في وظيفته كمسؤول أو كوزير قد تؤدي أحياناً إلى كوارث قد تضر بالمصلحة العامة للوطن، إن أعتقد أنه يملك القرار النهائي في مؤسسته أو وزارته، ولهذا دائماً ما تكون الرقابة البرلمانية بمثابة الضمير الذي ينظر بعين المصالح العامة لقرارات المسؤول، وأن أي خروج عن ذلك يتم تصويبه في جلسات المجلس من خلال إبداء الملاحظات والتعديلات أو عدم إقراره في حال رأوا أعضاء المجلس عدم صلاحيته.
على سبيل المثال وصل قرار خصخصة الخدمات الصحية إلى مرحلة قريبة من الإقرار في زمن تولي الدكتور حمد المانع منصب وزير الصحة، لكن مشروع التأمين الصحي على المواطنين لم يتحقق عندما تولى الدكتور عبدالله الربيعة منصب وزير الصحة، وقدم تبريرات مقنعة آنذاك، وكان يفضل نظام التأمين الحكومي كما هو مطبق في كندا، وأبدى مخاوف حقيقية من ربط صحة المواطن بشركات التأمين الخاصة، وهو نظام أثبت عدم إنسانيته، وفشله في الدول الغربية.
كما ظهر بوضوح في مشروع سلم الرواتب للمهن الصحية، والذي كان معداً في زمن الدكتور المانع لبرامج التشغيل الذاتي في مستشفيات وزارة الصحة، لكن تم تعديله ليطبق على مختلف المستشفيات بغض النظر عن درجة خدماتها وتخصصها ومرجعيتها الإدارية، وكان أثره السلبي بالغاً لدرجة غير مسبوقة، وكان السبب الانفراد بالقرار، وعدم عرض مشروع السلم الموحد أو تعديلاته على المجلس الرقابي في مجلس الشورى، ولو حدث ذلك لما حصل ما حصل من آثار سلبية بالغة.
والعبرة من ذلك أنهما تصرفا من خلال قناعات فردية إن صح التعبير، بغض النظر عن أيهما أصح، والدليل أن القرار تم نسفه بعد قدوم الوزير الجديد، ولم يأخذ القراران ضرورة مناقشته من قبل المختارين في المجلس البرلماني، من أجل الإقرار، والذين قد يكون لهم وجهة نظر في الإستراتيجية الصحية.
كانت القضية الأشهر في مسألة التفرد بالقرار والإصرار عليه، في الاشتباك المزمن بين وزارتي الزراعة والمياه، بشأن الاستراتيجية الوطنية للمياه، وأخذ التنافر بين وجهتي نظرهما زمناً طويلاً، وكان سبب عدم الاتفاق منهج الانفراد بالقرار، ولو قام مجلس الشورى بدوره مبكراً في الرقابة والاستماع لوجهات النظر في الإستراتيجية الوطنية، لطغت المصلحة الوطنية على وجهات النظر الفردية، ولم تم إقرارها مبكراً.
فلسفة الرقابة البرلمانية حضارية، وتعمل على تحقيق التوزان بين الجهات الحكومية، وقبل ذلك تمنع نسف ما تم إقراره في الماضي، والأهم من ذلك أن يدرك المسؤول أنه لا يتفرد بالقرار في منصبه، وأن خططه المستقبلية يجب أن تُعلن قبل إقرارها، وأن يتم الاستماع إليها وإجراء التعديلات التي تحفظ المصالح الوطنية حسب التشريعات والأنظمة.
كذلك يعد مبدأ الفصل بين الصلاحيات أحد أهم المرتكزات الأساسية في الوطن الحديث، والتي تهدف إلى تحقيق رقابة نوعية على الإستراتيجيات الوطنية، كما أنها تسمح بالانسجام والتواصل بين الأنظمة، كما أنها لا تعني الفصل التام، ولكن التناغم والتعاون من أجل أن تكون الإستراتيجيات منسجمة، ومن خصائص النظام الرقابي المتبادل حفظ التوازن بين الأجهزة الإدارية، وذلك لئلا يغرد مسؤول خارج المصلحة الوطنية.
لذلك سيكون من الأصلح وطنياً أن يدرك المسؤول الجديد أن برامجه وخططه الجديدة يجب أن تأخذ موافقة مجلس الشورى قبل تطبيقها، وذلك لتأكيد منهج التواصل مع ما سبق تحقيقه على أرض الواقع، وتجنب أساليب نسف القرارات السابقة، كذلك يختصر هذا المنهج الزمن، ويحافظ على الميزانية، ويؤدي إلى عدم إهدار الأموال من خلال منهج التغيير الجذري للإستراتيجيات المطبقة، ثم إعداد إستراتيجية أخرى في الوزارة لا تمت بصلة لما تم تطبيقه على أرض الواقع من قبل.