د. أحمد الفراج
المملكة العربية السعودية تشبه الشاعر المتنبئ في كثير من الوجوه، فساستها ينامون ملء جفونهم عن شوارد الكثير، ويتركون العالم من حولهم يسهر، ويختصم، ثم في نهاية الأمر، وعندما ينجلي الصبح، تجد أن الأشياء في مسارها الصحيح، وأن المملكة تنتصر في كل مرة، ثم تترك المملكة الكتّاب المأجورين بالقطعة، والمحللين السياسيين، يسهرون ويختصمون مرة أخرى، وهكذا دواليك على مر تاريخها، وكم من مرة قيل لنا: إن هذه السياسة، أو تلك لم تكن صائبة، وأن المملكة لم تقرأ المشهد جيداً، ثم تفشل قراءاتهم، لا السياسة السعودية، وفي الوقت الذي يتطاول فيه أقزام، ويصرخ فيه مندوبون في منظمات دولية، طلباً لتصفيق جماعات غوغائية، نجد المملكة دوماً تعمل بصمت، ولا تخرج - هذا إذا قررت الحديث - إلا بعد إغلاق الستار لتعلن نجاحها بأقصر العبارات وأبلغها.
نعم، لسنا الأفضل، ولكننا أفضل من كثير غيرنا، وتلفت حولك، واقرأ كتب التاريخ، فقد قالوا عنا إننا أعراب النفط، ودبجوا القصائد بذلك، ثم دارت الأيام، فانظر إلى دولهم الآن، وانظر إلى المملكة، وهذا ليس من باب الشماتة، بل لنذكركم فقط، أو لم يقولوا، منذ الستينيات الميلادية، إن الملكيات لن تصمد طويلاً، ثم ها هي المطالبات الآن بعودة الملكية إلى ليبيا، واليمن، بعد أن ذاق شعوبهما الأمرين من خديعة الأنظمة الثورية العسكرية، ومؤمرات «التثوير العربي»، إنها المملكة التي تستعصي دوماً على كل أحد، وكلما راهن المراهنون على وهنها، زادت قوة وصلابة، ولا أحد يعرف السر في ذلك، وإن كنت سأزعم، على غرار بعض المتكهنين، أن هذه القوة والصلابة هي نتاج لأسرار شتى، ومن ضمنها السياسات الحكيمة، والعلاقة الفريدة بين الحاكم والمحكوم، والتي تتميز ببساطتها، واستعصائها على الفهم، فهي سر تختص به هذه البلاد، وهو أحد أهم أسباب استقرارها وقوتها.
في خضم ترصد الشامتين، رحل الملك الغالي، عبدالله ابن عبدالعزيز، يرحمه الله، ولم تمض ساعات، حتى تم ترتيب بيت الحكم بشكل لم يتوقعه حتى من يعرف المملكة جيداً، وفي ظل تحفز المترصدين، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية، بقضها وقضيضها، برئيسها، ومعه قيادات حزبه الديمقراطي، وقيادات خصومه الجمهوريين، كما جاء ساسة أمريكيون سابقون، من كلا الحزبين الرئيسيين، من الذين عملوا مع معظم الإدارات السابقة، وهو الحدث الذي كان عنواناً رئيسياً للإعلام العالمي، وكان هذا الحدث هو السم الذي شربه كل خصوم هذه البلاد، وللعلم، فإن زيارة الرئيس باراك أوباما، مع ذلك الوفد الرفيع للرياض، جاءت بعد أقل من أسبوع من اعتذار أوباما - ذاته - عن حضور مسيرة باريس!!، وهي الخطوة التي أغضبت الاتحاد الأوروبي وإسرائيل معاً، وسنكرر دوماً: «هذه المملكة، فإن فهمتموها، فهذا حسن، وإن لم تفهموها، فتابعوا خطواتها، وتعلموا منها سر الاستقرار، والحظوة العالمية»!.