** وضع عمرُ رضي الله عنه خدَّه على الأرض حين ظنَّ في نفسه عُجبًا وقال كلمته المأثورة: «ويل لعمرَ إن لم يغفر اللهُ له»، ورُئي الشيخ الشعراوي رحمه الله 1911- 1998م ينظف دورة مياهٍ إثرَ استقباله بما يليق بمقامه فخشي أن تتسلل إلى داخله أحاسيس التعاظم، وحصل في ظرفٍ زمنيٍّ أن استبدل الشيخ سعد الحصين غفر الله له 1934- 2014م بمكتبه في وزارة التربية طاولةَ طالب، وعقد اجتماعاته مفترشًا الأرض، ووزع مكاتبَ إدارته في التعليم الثانوي على المدارس التي تحتاج إليها، والحكايات المشابهةُ عديدةٌ فيما يُقدِّم دروسًا عمليةً في ضبطِ هوى الذات ولجمِ إغراءات الحياة.
** وحدّث أحدُهم فذكر أنه لا يعلمُ ما الذي جعل كتابًا هزيلًا في نظره لكاتبٍ لا يروق له يتمددُ في رفٍ يُواجهه بمكتبة منزله دون أن يعمدَ إلى إتلافه أو حتى تغيير مكانه إلا اعتقادَه أن رؤيةَ الكتاب وتذكرَ كاتبه يجعلانه يحمد الله أن وجد في سوءِ المؤلف ورداءةِ التأليف - وَفقَ حكمه - ما يحميه من ميل الذات؛ فإذا كان هذا رأيَه في شخصٍ ونصٍ فإن لغيره مثلَ رأيه فيه ،ولا تثريب ؛فمن وضع نفسه في الواجهة فإن عليه أن يتوقعَ المواجهةَ محتسبًا إن ظُلم ومعتبرًا إن ظَلم ، وهذا درسٌ يقي من الوقوع في آثام السِّباب التي باتت لازمةً كتابية ومجلسيةً حين تتضخم الأنا عبر انتقاصِ الآخرين وما يلحقها من غيبةٍ وبهتانٍ وافتئاتٍ على الحق وتحويرٍ للحقائق.
** وصله الكتابُ إهداءً كما قال ،وفي بعض الإهداءاتِ ما لا يُعجبنا ، لكنه صار مهمًا لديه إذ يراه صباحَ مساءَ حتى بات ترويضًا عمليًا على الإعراض الهادئِ والتساكنِ مع المختلف وتركِ الأحكام الشخصية المتأثرة بموقفٍ ضدِّيٍ؛ فكما نرى يرانا الآخرون وإذا كان لنا قولٌ فلهم أقوال، وهنا أَطرٌ للنفسِ على التعامل مع المواقفِ المستفزةِ التي تصادفُنا في حياتنا بامتداداتها المتعددة، وربما أوجزت عبارةٌ ذائعةٌ للناشط الثقافي الإيرانيِّ علي شريعتي 1933- 1977 م خلاصةَ الحكاية:» خيرٌ لك أن تسعى نحوَ ما يدخلك الجنة من أن تسعى لإثبات أن سواك سيدخل النار».
** لو التفت كلٌ فينا إلى نفسه ففتش في دواخلها لوجد ما يَشغله عن التفتيش في معايبِ غيره وفق شاعرنا الحكيم، والمفارقة أن فيمن يتصدى للنقدِ الحادِّ من هم مملوؤون حتى رؤوسهم بأخطاءٍ وربما خطايا ، وليُعنَّا الله على يومٍ نقفُ فيه وحدنا أمام أعمالنا وأقوالنا فتُحاسب كلُّ نفسٍ بما كسبت وكلُّ يدٍ بما كتبت وكل جارحةٍ بما ارتكبت.
** والاستفهامُ الأهمُّ بعد كل هذا : أين معادلا « التربة والتربية» فيما نشهده من استعلاءٍ واستعداءٍ وتشاتمٍ وتلاطمٍ ولغوٍ وتكاذب؛ فهل نحن بخير؟ وهل نحن مطمئنون على سلوك أجيالنا القادمة ؟
** الرقيُّ إرث.