كانت مشاهد انتقال السلطة علامة وشاهداً على الأمن والاستقرار في البلاد، وهو من أساسيات السلم الاجتماعي في وطن تشتعل حوله أزمات التغيير الحاد، فيما تم التعارف عليه بالثورة، والتي تعتبر خروجاً حاداً عن الوضع الراهن والاندفاع بقوة وطاقة جبارة في اتجاه التغيير، وبعدها لا يمكن التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك.
لذلك كان ترتيب البيت السعودي خطوة إستراتيجية ومفصلية، وستكون بمثابة الانطلاقة في مسار الاستقرار السياسي، وهو ما سيمنح الوقت والجهد إلى إكمال مسيرة التنمية إلى مراحل أكثر أمناً واستقراراً من النواحي الاقتصادية والفكرية، وليس أمام الوطن إلا خيار النجاح وتجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
ما يجب التأكيد عليه أن الحفاظ على أمن الوطن ضرورة لا يمكن التنازل عنها في ظل المتغيرات الكبرى في المحيط العربي، لكن ثمن ذلك هو دفع الوطن إلى الأمام من خلال المنجزات التاريخية، والبحث عن الحلول الحضارية للوصول إلى أهداف أعلى من السابق، ولن يتحقق ذلك إلا بارتفاع معدلات الوعي عند المجتمع.
دائماً ما تحكم الأوطان اتجاهات تدفع إلى الأمام، في مقابل تيارات تحاول قدر استطاعتها تكبيل القافلة ثم إيقافها أو إرجاعها إلى الخلف، ودائماً ما ترتفع أصواتهم عند مفترق الطرق في تاريخ الأوطان، ولا يتورعون عن استخدام الخطابات الرنانة والتقاليد وبعض المفاهيم الدينية الخاطئة لتحويل مسار الحضارة إلى الخلف تحت عناوين حماية الأخلاق والدين.
كان ثمن الاستسلام لهذا الخطاب غالياً في أزمنة مضت، وكان عواقبه ظهور تيارات العنف الديني تحت مسميات الجهاد الإسلامي، وقد نالت تلك التيارات من أمن الوطن في مراحل ماضية، وإذا استكنا إليها مرة أخرى سنعود إلى نفس الدوامة، وسنهدم ما تم بناؤه خلال العقود الماضية، كذلك يجب إدراك أنه من المستحيل الوصول إلى مستوى الرضا عند التيارات المتزمتة.
وقد كان من اللافت للنظر عودة تلك الأصوات إلى الارتفاع خلال الأيام القليلة الماضية، مستغلين مرحلة الانتقال، وذلك لاعتراضهم على بعض القرارات التاريخية مثل الابتعاث وعمل المرأة، والتي وضعت الوطن في مرحلة التطوير الشامل، وربما ترتفع أصواتهم إلى مستويات أعلى، وسيحاولون قدر الإمكان إيقاف المسيرة التنموية متناسين أن الملك سلمان كان عضد أخيه الملك عبدالله في هذه القرارات التاريخية.
الإصلاح فلسفة بناءة تعتمد على أسس، أركانها محاربة الفساد المالي والإداري واستمرار دفع المجتمع نحو التعليم المتخصص، وتحويل المجتمع إلى مرحلة الإنتاج بدلاً من الاستهلاك الخالص، وهو ما نعاني منه في الوقت الحاضر، فكثير من فئات المجتمع تعتمد في رفاهيتها ومعيشتها على دخل النفط، ولهذا السبب ترتفع معدلات التوتر بينها، إذا انخفضت أسعار النفط أو انتشرت أخبار نفاده من باطن الأرض.
لو رجعنا إلى تاريخ المملكة منذ تأسيسها لاكتشفنا أن القفزات التنموية تمت من خلال المنهج العقلاني، وقد كان قرار التنقيب عن النفط عقلاني بامتياز، ولم يستسلم إلى الدعوات التي تعتقد أن إبعاد الخبرات الأجنبية من ضرورات الدين، كذلك كان تعليم البنات وتأسيس المدن الصناعية وفتح الوسائل الإعلامية وبدء برنامج الابتعاث، أيضاً يعتبر إدخال النساء إلى سوق العمل وإلى مجلس الشورى قراراً إستراتيجياً، وذلك من أجل تعلم مهارات العمل، والكسب بالوسائل الشريفة.
ختاماً يحاول البعض أن يدفع بمربع الوسطية إلى دوائر التطرف ومحاربة التطور، فيما تعني الوسطية العقلانية المؤمنة، والتي تدفع الوطن في اتجاه التطور الحضاري في ظل المحافظة على القيم الدينية والوطنية، ثم وضع حدود حازمة ضد استخدام الأيديولوجيات المتطرفة للنيل من الوحدة الوطنية.. والله على ما أقول شهيد.