عندما تصدر تغييرات في المراكز التنفيذية القيادية في مختلف القطاعات، يترقب الناس المتغيرات الجديدة ونتائجها، وخلال زمن التغيير تبدأ الشائعات والتنبؤات بما سيفعله الوزراء الجدد، وهل سيبدأون من حيث انتهى السابقون، أم سيختارون لهم بداية جديدة، ولعل ما يحتاجه المواطن أن يسمع من معالي الوزير الجديد إستراتيجيته الجديدة في العمل قبل البدء، وأن تُناقش في مجلس الشورى لإقرارها قبل التطبيق.
وقد بدأت بالفعل حرب الشائعات عن مستقبل بعض الخدمات في الوطن، وساهمت ساحات التواصل الاجتماعي في رصد نبض الشارع، ومن خلال متابعتها يستطيع المسؤول أن يقرأ ردات الفعل على قراراته، وتتضح أهميتها بعد ظهور حسابات للقيادات العليا فيها، وتعني حرص المسؤول على التواصل مع الناس، والاستئناس بآرائهم، ومعرفة مخاوفهم وتفاؤلهم قبل صدور أي قرار.
على سبيل المثال، يترقب المواطن ما سيفعله وزير الصحة الجديد، وهل سيعود إلى إستراتيجية الخصخصة التي فقدت صلاحيتها في العالم، فصحة الإنسان لا يمكن أن تكون سلعة تُباع في السوق، يستحقها الغني القادر على دفع تكاليفها العالية، ويفشل في الحصول عليها الفقير المحتاج، لأنه ببساطة لا يستطيع أن يتحمل تكاليفها الباهضة، ولعل تجربة أوروبا الغربية في الخروج من سلطة شركات التأمين الخاصة، واللجوء إلى تطبيق النظام الاجتماعي الشامل في تقديم الرعاية الصحية خير برهان على ذلك.
تترقب الأجيال القادمة إستراتيجية وزير التعليم، وهل ستكون هناك إصلاحات في مناهج التعليم، وإدخال التعليم التطبيقي في مدارس التعليم النظامي، ثم إعداد أجيال تتميز بمهارات العمل، والاستعداد مبكراً للدخول في سوق العمل، وهل سيتم تطوير كوادر الجامعات الجديدة والفقيرة بالكوادر، من خلال ربطها بجامعات عالمية، والاستفادة من تبادل خبراتهم في التعليم الجامعي، وهل سيتم دعم برنامج الابتعاث، وإرسال الطلاب في تخصصات جديدة.
يترقب المزارعون فلسفة وزير الزراعة في المملكة، وهل سيقود الخبير القادم من القطاع الخاص إعادة المزارع المواطن إلى مزرعته المهجورة للعمل فيها والإنتاج، ثم حماية إنتاجه من استبداد الشركات الزراعية الكبرى بمختلف وسائل الإنتاج والتسويق، فما حصل خلال العقود الماضية من تجفيف للمزارع الصغيرة كان أثره الاجتماعي خطير، وكانت أحد أهم أسباب زيادة معدلات البطالة.
ينتظر المجتمع من وزير الثقافة والإعلام المثقف إخراج القنوات المحلية من النمط التقليدي، ثم إعادة هيكلتها، من أجل مواكبة الإعلام الجديد، كذلك ننتظر من معاليه الحفاظ على أطر متطورة لحرية التعبير، وتشجيع معارض الكتاب، وتحفيز ثقافة الفنون بمختلف أشكالها الجمالية، ووضع جوائز وطنية دورية في فنون المسرح والفن التشكيلي والقصة والأدب.
يترقب الكثير من رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطواته القادمة، وهل سنعود إلى السلوك القديم، والذي يتصف بالعنف والتشكيك في الناس ومراقبتهم، ثم رصد أخطائهم في سجلات مخصصة لذلك، أم سينقل أسلوب الدعوة إلى معاملات أكثر تحضراً، وأقرب لمقاصد الإسلام النقي من آثار الجغرافيا وقسوتها، لاسيما أن العالم أصبح أكثر وعياً، وأي محاكاة لغير الأسلوب الحضاري في التعامل، سيكون حديث الإعلام في العلم، وستتأثر سمعة المملكة ودورها في محاربة التطرف وسلوك التسلط الديني.
من المنتظر أن يواجه وزير البلديات والشؤون القروية من جديد تحديات التطور العمراني في المدن والقرى، وضرورة التفريق بينهما، وينتظر المواطنون أن يوضح دور الوزارة القادم في الحفاظ على الأراضي غير المملوكة، وحماية الأودية ومجاري السيول من التملك العشوائي واستغلالها في الاستثمار العقاري، ثم توريط المواطنين في خسارة أموالهم وخطر الغرق من فيضان مياه الأمطار.
حتما سيكون لوزير العدل الحصة الأكبر من الترقب الاجتماعي، والتي لازالت تنتظر القفزة الكبرى في التطوير، ولعلها الخطوة الأهم في تاريخها، هي إخراج اللجان شبه القضائية الكثيرة جدا من سلطة الإداري إلى دائرة القضاء المستقل، ثم وضع منهج تطوير للقضاة للتعامل مع الأنظمة الإدارية النظر في قضاياها.
ما ينتظره الوطن في المستقبل من قياداته، هو الأمن والاستقرار ومواكبة التطور الحضاري في الأمم، وقبل ذلك دفع التنمية بأقصى درجة، وذلك للخروج من مأزق المصدر الواحد في الاقتصاد، وتلك حسب وجهة نظري أم المآزق الكبرى، ومن سيقود سفر الخروج منها، سيخلد اسمه بحروف من ذهب على صفحات الوطن في التاريخ، والله على ما أقول شهيد.