لقد كتب الله أن أكتب مقالي السابق الخميس الماضي عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- وهو يوم وفاته، ولم أعلم وغيري أن ذلك المقال كان آخر المقالات التي كتبت فيه قبل أن يأخذ الله وديعته التي استودعها
عبدالله بن عبدالعزيز.. وكان مضمون مقالي هو عن الحب الذي استأثر به هذا الملك الصالح لدى شعبه وأمتيه العربية والإسلامية ولدى شعوب العالم كافة، حتى لدى خصومه وأعدائه يظل له احترامه وتقديره.. وعندما توفي عبدالله بن عبدالعزيز فجر الجمعة الماضي شاهدنا العالم كله في حالة تأبينية حزنا على فقد هذا الرجل العظيم..
نعم لقد رحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولكنه لم يرحل من قلوب أبناء وبنات شعبه وأمتيه العربية والإسلامية، فسيظل خالدا في الأذهان بإنجازاته الكبيرة التي أحدث من خلالها التغيير الحقيقي في بلاده وفي المنطقة بشكل عام. نعم رحل عبدالله بن عبدالعزيز وترك إرثا كبيرا من الإنجازات المادية والمبادرات العقلية التي أسهمت في تغيير مفاهيم وبناء فكر وتطوير بنية تحتية على أفضل المستويات العالمية. نعم رحل عبدالله بن عبدالعزيز عن هذه الدنيا وترك وراءه دعاء الناس وحب الناس وحزن الناس ودموع الناس.. لقد كان خبرا كالصاعقة على الجميع من أقربهم إليه كأبنائه وبناته وزوجاته وإخوانه إلى أبعد الناس كمسئولي جامعات أمريكية وغربية وشرقية يبعثون برسائل تعزية في فقيد الدولة السعودية للمبتعثين والمبتعثات..
عبدالله بن عبدالعزيز لم يكن شخصا ليمر مرور الكرام ولم يكن عابرا عبور الاعتياد، بل كان شخصية استثنائية بكل المقاييس الحالية في القيادات السياسية في العالم.. ولكن غياب شخصية كبيرة كعبدالله بن عبدالعزيز كانت لتترك فراغا لولا أن هيأ الله لهذه البلاد قيادات مخلصة وواعية ومدركة لحجم أمانة المسئولية التي ألقيت عليهم. نعم رحل عبدالله وجاء سلمان.. خير خلف لخير سلف.. نعم غادر ملك وجاء ملك.. غادرنا عبدالله وأتانا سلمان.. شيعنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز واستقبلنا وبايعنا الملك سلمان بن عبدالعزيز.. رضينا بقدر الغياب وتشرفنا بهيبة الحضور.. وكلاهما من أبناء قائد ومؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-..
الملك سلمان بن عبدالعزيز كان اليد اليمنى للملك فهد والملك عبدالله وللملوك الذين سبقوهم ولإخوانه الأمير سلطان والأمير نايف -يرحمهم الله-.. وكان من الطبيعي أن يكون سلمان بن عبدالعزيز هو الملك السابع في الأسرة السعودية، وليس هذا فقط، فسلمان بن عبدالعزيز هو قامة وطنية كبيرة له حضوره ومكانته في كل المسئوليات التي تقلدها، وأثبت جدارة وحكمة وشمولية.. وله مواقف إنسانية وعملية وإنجازات كبيرة وشامخة على صعد مختلفة، وله مكانته لدى أبناء وبنات المملكة وله حضوره العربي والإسلامي والدولي.. ولديه ثوابته التي لا يحيد عنها.
ومن حسنات قرارات الملك عبدالله أن استحدث قرار «ولي ولي العهد» فهو صمام أمان لتدرج المسئولية نحو الملك والقيادة في المملكة، واختار له في أول تطبيق عملي لهذا المنصب الأمير مقرن بن عبدالعزيز آخر أبناء المؤسس وهو شخصية مثقفة لها حنكة إدارية في عدة مواقع حاكمية كإمارات حائل والمدينة المنورة بما فيها الاستخبارات السعودية.. وتولى سموه ولاية العهد بعد أن شغر هذا المنصب.. كما كانت سعادتنا بالغة باختيار الأمير محمد بن نايف بن عبدالغزيز وليا لولي العهد، وهو شخصية خدمت بلادنا في المجال الأمني، الذي يهدد الآن أمن واستقرار دول المنطقة.. ولاشك أن هذا الترتيب الهرمي للسلطة هو بمثابة صمام أمان يلغي فكرة انزلاق الأمور إلى أوضاع لا تحمد عقباها لا قدر الله.. ومن نعم الله على هذه البلاد أن منحنا قيادات مخلصة وعقولا ناضجة وفكرا واعيا بمقدارت الوطن والأمتين العربية والإسلامية، وخدمة البيتين مكة المكرمة والمدينة المنورة هما من أول اهتمامات القيادات السعودية على مر التاريخ، وخدمة أبناء وبنات الوطن السعودي تظل هي الدعامة التي تستند إليها هذه الدولة الكريمة.