لا يختلف اثنان على أن ما يقوم به الحوثيون في اليمن هو نوع من الفوضى العمياء التي تستدعي دخول اليمن إلى نفق مظلم، يعرف الجميع كيف يدخلون إلى هذا النفق ولكنهم لا يعرفون كيف يخرجون منه..
كما لا يختلف اثنان أيضا على أن ما يقوم به الحوثيون سيقود إلى إعادة بث الحياة في خلايا القاعدة في اليمن، وسيعيد لها الحياة من جديد.. وسيبقى اليمن ساحة مفتوحة للتطرف من الحوثيين من ناحية ومن القاعدة من ناحية أخرى..
ومع الوقت ستنسحب الكثير من الأطراف من ساحة المعركة وسيبقى طرفا التطرف هما اللذان سيحددان ويلوثان المشهد السياسي اليمني، كما أنهما الطرفان اللذان سيسيلان الدماء اليمنية ويصبحان في حرب تشتعل تأتي على الأخضر واليابس.. ونعلم أن كثيرا من الأطراف المتفرجة حاليا ستدخل عنوة وربما دون إرادة في دعم هذا الطرف أو ذاك، حتى يكبر طرفا التطرف ويصبحان هما كامل المشهد اليمني الدموي..
لقد كانت القاعدة في فترة هي الأضعف في تاريخها في اليمن، ولكن ما يقوم به الحوثيون من فساد وتخريب وتمادي وفوضى وبلبلة قد هيأ للقاعدة أن تنهض أخيراً من رمقها الأخير، وأعاد الحوثيون إليها الحياة من جديد.. وما فعله الحوثيون من محاولة لـ»تشييع» السلطات والعسكر والأسلحة والتمادي في إهانة المؤسسات في اليمن جعل بعض القبائل والأطراف يؤيد تدخل القاعدة على خط السياسة اليمنية، علها تنتقم من الحوثيين ومن قياداته المتمادية على المواطن والسلطة في اليمن..
وأسلوب القاعدة معروف هو التفجيرات والأحزمة الناسفة والاختباء بين الناس والضرب والانسحاب وغيرها من الأساليب المعتادة، وستكون هذه الأسلحة التي تمتلكها القاعدة هي الصوت المسموع في اليمن خلال المرحلة الثانية من مراحل النزاع الجديد في اليمن، بعد مرحلة بسط الهيمنة والنفوذ الذي بدأه الحوثيون، وتوقعوا استسلام اليمن عن بكرة أبيه له.. ولا يزالوان يحاولون في تحقيق هذا الهدف، بالتعاون من تخطيط وتشجبع ودعم كامل من إيران التي تريد أن تحيل كامل اليمن حزباً جديداً كحزب الله اللبناني..
ويرغب الحوثيون أن يظهر مشهد حربهم ضد القاعدة على مستوى عالمي وكأنهم في صف العالم ومنهم العالم الغربي الذي لا يزال يقاتل القاعدة، على أمل أن يتغاضى العالم عن سفكهم للدماء اليمنية ويغطي على امتهانهم للسلطة الشرعية، وتمرير مخططاتهم في «تشييع» اليمن
وانضوائهم تحت سلطة «قم» التوسعية في المنطقة العربية.. ولكن الحقيقة المرة التي لا يريد أن يفهمها الحوثيون هي أن استمرار استفزازهم في الشارع اليمني هو الذي سيعيد مشهد القاعدة من جديد، وستجد القاعدة شرعيتها في السياسة اليمنية، وربما وهذا أكثر احتمالية أن تجد الأنصار الذين سيدعمونها في مسعاها إلى الانتقام من الحوثيين.. إذن فالحوثيون هم الذين يمهدون لعودة القاعدة في اليمن وربما في غيرها من البلدان..
إيران لا تزال تمسك بشكل مباشر أو غير مباشر بطرفي التطرف في اليمن، القاعدة باحتواء عناصرها القيادية ودعمهم غير المباشر من ناحية والحوثيين بدعمهم السافر.. وكلا الطرفين يحقق أهدافا مرحلية لإيران أو أهدافا إستراتيجية لها.. وأصبح من الواضح والجلي أن إيران هي التي تتحكم حاليا في الشأن اليمني وليس الرئيس أو رئيس الحكومة او أي حزب من الأحزاب السياسية في اليمن. ومن يستمع إلى جنرالات الجيش الثوري الإيراني وهم يتحدثون عن اليمن فكأنهم يتحدثون عن مقاطعة إيرانية داخل الحدود الإيرانية، وهذا بكل المقاييس السياسية والأخلاقية هو اعتداء سافر وتدخل خطير في شئون داخلية لدولة مستقلة..
وقد بات من المؤكد أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح هو الذي هيأ للحوثيين هذه الهيمنة على مفاصل الدولة اليمنية، ولكنه وحزبه - أو من بقي من حزبه - سينال شرور الحوثيين وسيرتدون عليه وعلى حزبه الذي بدا يتخلخل من السلطة والحكم.. وتحالف صالح مع الشيطان في سبيل أن ينتقم من خصومه، ولكنه سيكون هو عرضة لويلات الحوثيين وسيطرتهم وانتزاعهم السيطرة من مقومات حزبه واستحقاقاتهم السياسية في الحياة اليمنية، وربما سيكون ذلك قريبا..
لقد أثبت الحوثيون أنهم بلا عهود ولا ذمة، فينتهكون معاهداتهم التي يوقعون عليها قبل أن يجف حبر تلك الأوراق، وهذه سياسة قديمة وليست جديدة لديهم، ومن المتوقع أن يستمرون في مظاهرهم الهوجاء والاستفزازية حتى بعد أن يعودوا الاثنين الماضي ليقولوا أنهم ملتزمون باتفاقية السلم والشراكة الوطنية، الذي ربما فسروها على أن السلم هو عدم اعتراض تحركاتهم العسكرية والضوء الأخضر لهم والشراكة فسروه بالشراكه مع إيران في السلطة في اليمن.. هذا هو نتيجة هذه الاتفاقية التي وقعها الحوثيون.. وهذا ما يطبقونه على أرض الواقع..